كان الموروث غفر الله له مهلوس العصب، أرعن اليد، ألكن اللسان، أخرق السياسة، فابتلاه الله بالحرب حتى قَلَّ، وبالدَّين حتى ذلَّ، وبالرشوة حتى فشل. ثم عصفت به ريح المنون فحطمت جذعه وأذرت هشيمه، وتبدد في مهب العوادي تراثه المشتهى، واستقرت على أعناق أبنائه وأوليائه أثقاله وأغلاله وديونه.
فإما الترك الخلَّص البواسل فبتروا من خلفهم ذلك الذيل الطويل، ثم انطلقوا خفافا إلى المجد وراء كمال، وأما العرب الأقحاح الميامين فأقلوا من فوقهم ذلك الحمل الثقيل، ثم مضوا سراعاً إلى الملك وراء فيصل، وأما نحن - وقرابتنا إلى المرحوم وما ترك قرابة كلالة - فقد نالنا من عهوده الجزية، ومن قيوده الامتيازات، ورأينا في نصوص القوانين ما يثبت القلوب المنخوبة على الحق، وفي سوابق الدول ما يشجع النفوس الهيوبة على الاقدام، وفي سوانح الفرص ما يذكَّر الرقاب المغلولة بالعتق، ولكن الشعب الذي قسا عليه القدر فمحا من ذهنه الفروق بيَن التواضع والضعة، وبين الوداعة والذل، وبين المجاملة والملق، وبين الكرامة والتساهل، وبين الضيافة والاحتلال، لا يستطيع أن يفهم من القانون إلانص الواجب، ولا من (السابقة) إلامعنى الجرأة، ولا من الفرصة إلاخلاف الحزم.
حررت الأمم رقاب العبيد، واحترام السادة إرادة الخدم، ومنحت الدول طعام الشعوب كرامة الوطن، وبرئ الأسود والأبيض من معرة التفريق ووصمة التميز، اللهم إلانحن في مصر، وإلا الزنوج في أمريكا!
وما الفرق بالله بين الزنجي والمصري إذا كان كلاهما قد حرم الأخاء في المجتمع، والمساواة في القانون، والحرية في الموطن؟ وهل الامتيازات إلاحكم قائم بانحطاطنا عن الأمم التي ميزناها في الجنسية والعقلية والمدنية والتربية؟ فالأوربي إذا اعتقد انك دونه في القدر والحق والخلق فتمزَّى عليك وانتفي منك، كان واضح العذر ما دمت تعترف بهذا النظام الذي يجعل قضاءه أعلى من قضائك، ولغته أفضل من لغتك، وشأنه ارفع من شأنك.
أنه يعرف أن لك على الأقل أن تلغي المحاكم المختلطة من ذات نفسك، فلا ترى بعدها من يظلم قضائك على منصة العدل، ويحتقر لغتك تحت راية الدولة، ويهين رجالك في دست الحكومة، ولكنه يراك تهمل حقك حتى يموت، وتغفل واجبك حتى يفوث، وتنفق من كرامتك على المجاملة واللطف حتى تنفذ، فجعل نزولك عن مقامه تقليداً لا ينهض في