تشهد السياسة الدولية اليوم بحثاً جديداً لمبدأ (توازن القوى) وهو مبدأ دبلوماسي قديم اتبعته الدول الكبرى في القرن الثامن عشر وحققت به فترة هدوء نسبي في العلاقات الدوليةتختلف عن الفترة التي مر بها القرن العشرون بحروبه وثرواته ومشاكله العويصة التي تفوق حرب القرون السالفة مشاكلهافي العدد والخطورة.
ومبدأ (توازن القوى) كان ولا يزال علما على أسوء ما في الدبلوماسية الدولية من قسوة وانتهازية. ففي ظل هذا المبدأ استطاعت الدول الكبرى في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر أن تتقاسم النفوذ وان توطد لنفسها فترة الهدوء النسبي ساعدها على إخضاع الشعوب المستضعفة في آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية واستغلالها استغلالاً سياسياً واقتصادياً الاستعمار علم عليه.
ويبدو أن موجات التحرر والانطلاق التي جاءت نتيجة لازدياد الوعي السياسي والفكري الذي اجتاح العالم في أوائل القرن العشرين - هذه الموجات استطاعت أن تزعزع أركان مبدأ (توازن القوى) وان تفصم عرى هذا التواطؤ الذي هيمن على سياسة الدول الكبرى التي كانت تتكتل في مجموعات سياسية وعسكرية لتقتسم النفوذ في الميدان الدولي وتضل كل كتلة رقيبة على مطامع الأخرى لئلا يضيع على أي منها جزء من هذا النفوذ سواء في الدبلوماسيةالدولية أم في مجال الاستعمار والتوسع الاقتصادي.
ولما وقعت الواقعة وانفكت عرى هذا التكتل وخرجت روسيا القيصرية والإمبراطورية من ميدان التنافس واختل ميزان القوى الدولية بين الدول الكبرى وطمحت ألمانيا القيصرية أولاً والهتلرية بعد ذلك لان تنافس الكتلة الانجلو فرنسية في مجال السياسة الدبلوماسية على العالم الحر وعلى العالم المستعبد؛ وأخذت العلاقات الدولية تمر في طور السياسةالانفراديةالتي تحاول فيها كل دولة أن تحقق لنفسها اكبر قسط من النفوذ على حساب أي دولة أخري ولو كانت هذه الدولة تشاركها الأهداف وتشاطرها مبدأ الاستعمار وتجاريها في السلوكالتجاري والأيديولوجية السياسية.