من الصفات المميزة للمصريين في المجتمع الحديث، أنهم إذا اجتمعوا قاعدين في قهوة، أو ما شين في شارع، لفتوا إليهم أنظار الناس بما يأتون من حركات، وبما من حركات يحدثون من ضجيج. إذا تحدثوا ضرضأراً في الحديث، وإذا ضحكوا قهقهوا في الضحك، وإذا أشاروا أغلظوا في الإشارة! لا ينتظر السامع المتكلم حتى يفرغ من كلامه، ولا يمهل المعارض المؤيد حتى يفرغ من كلامه، ويهمل المعارض المؤيد حتى يدلي بحجته، إنما هي الحنجرة الصلبة، والنكتة المكشوفة، والسخريةاللاذعة، والمقاطعة المهينة، والأمر كله للصوت الجهير النكير والضحكة المتفجرة المكركرة.
والجهر بالقول أخص خصائص العامية؛ لأن المتحدث لا يرفع صوته فوق الأصوات إلا في ضوضى أو فوضى وضوضي الحياة أو فوضاها لا تكون إلا في المجتمع البدائي أو العامي، حيث تغلط العبارة، وتخشن الإشارة، ويختلط الحديث. والجاحظ يقول في الأعراب (إنما خشنت أصواتهم لمخاطبتهم الإبل) وأنت كذلك حري أن تقول في الرجل الذي يفتح حلقه كله عند الكلام، إنما تعود ذلك لأنه لا يخاطب في أسرته وبيئته إلا الذين يتكلمون ولا يسمعون، أو الذين يسمعون ولا يصفون، أو الذين تبلدت فيهم حاسة السمع، فلا يدركون جمال الصوت الرخيم، ولا يتذوقون لذة الحديث العذب، ولقد كان من تأديب الله للعرب الذين كانوا يندون إلى الرسول فيؤذونه بما جبلوا عليه من رفع الصوت، وجهر القول، إذ قال لهم (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي، ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض. . .) ثم قال عز قوله حكاية عن لقمان إذ قال لابنه: (وأغضض من صوتك، إن أنكر الأصوات لصوت الحمير) وإذا عذرنا من يرفع صوته مضطراً بحكم عمله كالسماسرة الذين يشتغلون في برصة العقود، والصناع الذين يعملون في مطارق النحاس، والتجار الذين يتصافقون في سوق البهائم، فكيف نعذر ذلك المطربش الجسيم الوسيم الرافه الذي تكلمه رأساً إلى رأس، وفماً إلى فم، فيأتي إلا أن يمزق طبلتي أذنيك بصوته المجلجل الراعد!
الحق الذي يؤيده الحس أن الرجل كلما أكتمل عقله وتهذب طبعه، ولطف شعوره، كان أرغب عن الجلبة، وأزهد في العنف. فتراه إذا تكلم كسر من صوته، وإذا ضحك أفتر عن ثغره، وإذا استمع أرهف من سمعه، وإذا قاول ألان من قوله، وإذا مزح عف في مزحة،