للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الكتب]

كان ما كان

تأليف الأستاذ مخائيل نعيمة

للأديب محمد فهمي عبد اللطيف

كان ما كان. . . ألا إنها كلمة سحرية تفيض بالذكريات والأحلام، وتفتح على النفس آفاقاً من الماضي، وما أحب الماضي إلى النفس وإن كان كله الشقاء! ولعل هذا المعنى هو الذي لحظه الأديب اللبناني الأستاذ مخائيل نعيمة في وضع هذه الكلمة عنواناً لمجموعة من قصصه، وهي مجموعة تشتمل على ست قصص وفصل من رواية مسرحية اسمها (جمعية الموتى) كان الأستاذ قد كتبها عن المجاعة اللبنانية إبان الحرب. ونعيمة لاشك أديب قصاص، عنده طبيعة فنية، وله في فنه ميزات ومواهب، وهو في قصصه يحيا حياة روحية نبيلة كلها صفاء وتصوف، فعنده (أن الفطرة حقيقة صافية، والمدنية رياء موشى) وهو (يحب الروح النظيفة في جسم قذر، عن الروح القذرة في جسم نظيف) ومن رأيه (أن الأرض روح طاهرة في جسم طاهر لا تساد ولا تستعبد، فهي ميزان العدل الإلي، ولذلك لا تخجل من أن تنبت الوردة والشوكة والقمحة)، وإنه لينظر إلى سبل الحياة في الشرق والغرب، فيرى (الشرق يسير إلى المحجة ومركبته قلبه، وجياده عواطفه وأفكاره، وأعنته إيمانه وتقاليده المتصلة بالآزال، بينما الغرب يسير في مركبة روحها البخار أو الكهرباء، وعضلاتها لوالب ودواليب من حديد وفولاذ، وأعنتها ادعاؤه واعتداده بنفسه). ومع أن الغرب يلتفت إلى الشرق هازئاً، والشرق يبهره ما يرى فيقر للغرب بالمجد، فإن نعيمة يرفع الشرق في روحانيته الصافية، على الغرب في ماديته الملوثة؛ وهو يأسف على الشرق إذ (يطرح مركبته، ويبيع روحه، ليحصل على مركبة كمركبة جاره)، لأن الحياة المادية في الواقع (حياة مقنعة) كلها زحمة باطلة، وجلبة فارغة، وما الإنسان في وسط هذه الجلبة إلا (كالهر يلحس المبرد فيتلذذ بطعم الدم السائل من لسانه جاهلاً أنه دمه. . .)

ونعيمة أيضاً رجل باحث، يعاني النقد والدراسة التحليلية، وله (سياحات في ظواهر الحياة وبواطنها). ولاشك أن القصاص في حاجة إلى مواهب الباحث، من دقة الملاحظة،

<<  <  ج:
ص:  >  >>