وصفت لي أمي مرة منظر الشمس وهي تتعالى فوق الجبال، فسرني ذلك الوصف كثيراً فسألتها (ما الشمس يا أماه؟) فقالت بصوت متأثر وهي تمسح بيدها على شعري (أواه يا ولدي؟ مهما وصفت لك الشمس فلن تتصورها كما هي، دون أن تراها.)
(. . رباه لماذا حرمتني نعمة الرؤيا؛ لماذا ولدت أعمى،؟ إنني أريد رؤية الشمس التي أحس بحرارتها وهي تلفح وجهي، افتح أجفاني - ولو لمرة واحدة - لأرى الشمس ولأرى وجه أمي، ثم أغلقها بعد ذلك ثانية!) ضاعت صرختي في أدراج الرياح، فبقيت في عالمي المظلم الموحش، أشعر بنعومة الزهور، وأشم عبير الورود، ولكني لا أعرف كيف أتخيل صورة الزهرة. فهي - كما يقولون لي - أحلى من عبيرها، وأفتن من نعومها.
حلمت ذات ليلة أن عيوني تفتحت. وأني صرت أرى نور الشمس، وشكل الزهور ووجه أمي. فلما استيقظت وجدتني لا أزال في ظلام.! وحدث بعد ذلك أن اتخذت أمي مربية، اسمها (ميري)، وجدت بقربها بعض العزاء. فكثيراً ما شجعتني بأغانيها وألحانها، وكثيراً ما أبعدت عن نفسي الهموم بأحاديثها فكاتها. حتى كاد شوقي - إلى الشمس، وإلى الزهور وإلى وجه أمي - يزول ويتلاشى. .!
سمعت أهلي يتحدثون عن طبيب للعيون، ذاع اسمه واشتهر أمره، في وقت قصير، وقد علمت أنهم سيأخذونني إليه، لعله يفتح أجفاني، وينير عيني، فتنازعني آنذاك شعور أن حبي لميري وحبي للشمس ولوجه أمي وللزهر، فوجدتهما متعادلين متكافئين وحين أخذوني إلى ذلك الطبيب، وبدأ يفحصني ارتفع صدري، وازداد ارتباكي. فقد شعرت كأنني على أبواب حياة جديدة، وإنني أولد من جديد، في عالم لم أره وإن كنت قد عشت فيه وسمعت عنه. .! وبينما أنا في أفكاري أتيه، شعرت بألم قوي في فصرخت مرتين. . مرة من الألم، ومرة من الخوف. فقد عاودني حلمي القديم، فقد لاح لي كأني رأيت النور.! لكني سرعان ما عدت إلى عالمي الأول، فقد عصب الطبيب عيني، فلم أعرف أكان حلماً ما رأيت أم حقيقة. فبقيت بعد ذلك أحيا حياة غريبة فيها أمل وفيها يأس، وهي مع ذلك ملؤها التهيب والخوف!