الإنسان المدرك رأس هذه الخليقة التي تدرجت نحو استكمال نموها حتى تمخضت عنه. ومتى أدرك ما حوله اعمل فكره في تعليل ما يرى ورجع إلى نفسه يبحث انفعالاتها وآثار ارادتها، فهو إذن فيلسوف بطبيعته، ومدفوع للتفكير بحكم جوده وعمل حواسه وعقله وإذا عنى الباحثون بدراسة الحفريات لنوع وأحد من الكائنات ليصلوا إلى مقدار تطور حياته فما أولى طلاب العلم ان يصلوا بين حلقات تفكير الإنسان منذ سكناه الكهف وصيده الوحش لاستخدامه الكهرباء واكتشافه مغناطيسية الحياة.
الطبيعة والإنسان متلازمان، وبينهما أوثق الروابط. . هي معلمته التي تلقى عنها أول دروسه، وهي موضع بحثه منذ اللحظة الأولى لوجوده، يكافحها مرة فتتسع دائرة مجهوده وتفكيره، ويستخدمها مرة فيبني صرح تقدمه وعظمته. ولكنها ضنينة باسرارها، وهذا ما يبعثه على إعمال الفكر في تعليل مظاهرها وتكليف نفسه مشقة البحث عن اصل وجودها وعلة استمرارها.
أبصر من مظاهر الطبيعة ما لم يساعده عقله (الطفل) على فهمها، وعجز عن التعرف على اسبابها، فأحال صدورها إلى قوى لا يدركها تماماً، وما دامت لا تخضع لإرادته فهي أقوى منه واشد بطشا، ولذا اعتقد بالارواح الساكنة في الغابات، وقدم للآلهة المتعددة القرابين ليبعد بها عن نفسه غضبها، واعتقد بتجسد هذه الارواح في بعض الكائنات الحية. وكان اليوناني يعتقد باله الحب والقوة والجمال والماء والأرض، ولا يزال الهندوس يقدسون البقر، وبعض أهالي فارس يوقدون النار ليطردوا إله الظلام ويساعدوا إله النور. وعليه فالعقيدة هي محور الفلسفة الاولى الذي دارت حوله، وطبيعي ان يلجأ الإنسان وهو منزعج الحواس بما يكتنفه من هزيم الرعد ووميض البرق وانبثاق الحمم المستعرة إلى الاعتقاد بوجوب التقرب والخضوع للقوة التي تصدر عنها. . انه بذلك يدرأ عن نفسه غضبها، وتهدأ وساوس نفسه وشكوكه.
ولكن لم يقف تفكير الإنسان عند هذا الحد الذي تسلط فيه عليه الوهم، بل جعل يفكر في منشأ هذا الكون. . . والعالم في نظره الأرض التي تعيش على سطحها، والشمس التي تمده