ان الكدح القاسي في صعيد الفكر، والتضحية السمحة على مذبح (فينيس)، والتنقيب في بياض الصحيفة عن الدنا المنحجبة، كل هذه عرفها الرصيف القديم (بين الدخول فحومل. . .). .
فطلب البلاغ الحر، وقلب النسق في الصنيع الفني، وإبدال ألوانه وصبه على شكيلة الحياة القائمة كانت في وكد الاساتذة السالفين جيلا تلو جيل. وهكذا يقال في شيوع الخاطر من المستهل إلى المقطع، وفي تماسك الحسن الذي لا يبذل للنور نفسه، وفي الميسم المطبوع والنفس الخاص، وفي المعنى الذي يسكن المبنى ولا يمد ساقيه على بحبوحة اللفظ - ذلك كله كان من أغراض الأساطير فيهم، يوفقون إليه حينا وينكصون عنه حينا. فليس الأدب ابن يومه، ما خطرت مطالب الحياة منه على بال أحد في الزمن لتقوم الضجة علينا، ويتنادوا بالويل بعد أن اردنا الأدب حياة وقوة وخفق جناح. . وأطفأنا الشمس بأكفنا!!!
وعندي ان الاساتذة الموتى الذين سلكوا السبيل قبلنا - وكأنهم مضوا ليفسحوا لنا المواضع - من حقهم ان يطرقوا خواطرنا، وان يرشفوا قليلا من الحياة في ألفاظنا. فهم، رحمهم الله، لم يبق لهم من سبيل إلى الضياء إلا هذه الحروف التي تشع فيها خواطرنا هذا حبل الابد هيهات ان ينقطع. والأدب بشرى قبل كل شئ، فليس في استطاعة أحد ان يقطع الحبل! والأدب أخو الحياة لا قديم فيه ولا جديد، بل هو وله الجمال وكد على الحق، وما عداهما فهراء!؟