للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[مصر وعصبة جنيف]

تحدث بعض الكتاب لمناسبة الموقف الدقيق الذي تقفه مصر من النزاع الإيطالي الحبشي، عما كانت تجنيه مصر من المزايا لو أنها كانت عضواً في عصبة الأمم، وعما كانت تستطيع أن تؤديه في الظرف الحاضر لصون حقوقها لو أتيح لها أن تبسط وجهة نظرها أمام العصبة؛ وفي رأي هؤلاء أن مصر تخسر كثيراً إذ تحرم في هذه الآونة من رفع صوتها بطريق العصبة، وأن السياسة الإنكليزية هي التي عملت لإسكات صوتها وحالت بينها وبين جنيف.

ولسنا من رأي هؤلاء، ولسنا ممن يحسن الظن بالعصبة ولا ممن يؤمنون بوسائلها ومبادئها وغاياتها؛ ومن رأينا أن مصر لم تخسر شيئاً بابتعادها عن العصبة مهما كانت أسباب هذا الابتعاد.

ويكفي أن نتأمل هذا المنظر الذي تقدمه إلينا عصبة جنيف ونحن نكتبهذه السطور، لنقتنع بأن هذه الهيئة التي تزعم أنها رسول السلام والإخاء والحقوق الإنسانية، إنما هي شبح وستار فقط، تعمل وراءه قوى الاستعمار، فتأتمر وتتجاذب وتمثل مختلف الأدوار التي تمكنها من أعناق الفرائس؛ والفرائس هي الأمم الشرقية التي سلبت أو يراد أن تسلب حرياتها باسم المدنية الأوربية والتهذيب الأوربي.

فإيطاليا والحبشة كلتاهما عضو في عصبة الأمم، وبينهما نزاع أثارته السياسة الإيطالية عن عمد وإصرار سابق، وقد طرح النزاع أمام عصبة جنيف منذ يناير الماضي،، فماذا فعلت العصبة لتطبق نصوص ميثاقها؟ لقد أوصت بالعمل على حسم النزاع بطريق التحكيم، ولكنها ما زالت تصغي إلى وعيد السياسة الإيطالية، وتشهد نياتها وتصريحاتها الواضحة لغزو الحبشة وافتراسها؛ والحبشة تستغيث بالعصبة، والعصبة تسوف وتمد إيطاليا بالوقت اللازم لاستكمال أهبتها، وتفسح كل مجال لما تعرضه دول الاستعمار لاقتسام الحبشة أو فرض نوع من الحماية أو الانتداب عليها كوسيلة لإرضاء إيطاليا وحسم النزاع وتأييد السلام، وإيطاليا خلال ذلك تبرق وترعد وتصرح بأن العصبة إذا حاولت أن تنحرف ضد المطامع الإيطالية أو تنتقص من شرعيتها، فإنها تصفع العصبة وتجري مشيئتها بالعنف والقوة القاهرة

والدول الاستعمارية تحرك اليوم عصبة الأمم، وتوجهها علنا دون خفاء؛ وقد ابتدعت

<<  <  ج:
ص:  >  >>