حينما أعيد على نفسي الآن بعض ذكريات صباي، أدهش من الشخصية المؤلمة التي كانت لي في ذلك العهد.
كنت مضرباً أولاً عن الذهاب إلى المدرسة، برغم تقدمي في السن، وقد بلغت الثامنة. . وكان والدي يحبني كثيراً، فلا يعارضني في رغبتي، برغم إلحاح أفراد أسرتي جميعاً، وبخاصة مريبتي العجوز، وكانت امرأة شركسية شديدة المراس، تفشل معها حيلي وتوسلاتي. . كانت هذه المربية مغرمة بالمشاكسة، فإذا لم تجد من تشاكسه، عمدت إلى ضرب القطط والكلاب وكنا جميعاً نتحمل هذه المربية المتعبة، لأنها قديمة العهد عندتا إذ كانت مربية لوالدتي قبل أن تكون مربية لنا.
وكان لا يروق هذه المربية أن تثير موضوع إرسالي إلى المدرسة إلا أثناء الطعام، فتنغص علي فكان والدي رحمه الله يثور عليها، وينحى عليها باللوم القارس فتسكت، ولكن تعود فتتمتم شتائم - بالتركية - تتناول الجميع. . فكنت من جانبي أنتهز هذه الفرصة للثأر منها، إذ أعيد بالعربية في صوت عال هذه الشتائم. . فيهيج عليها الجمع ويضطرونها إلى مغادرة الحجرة مغضبة ثائرة. .
ولكن لما تكررت منى هذه (الدسائس الشرقية) أفتضحأمري، وأخذت مريبتي تقابل دسائس بالدس لي، فألحت إلحاحاً شديداً في إرسالي إلى المدرسة حتى تمكنت من ذلك، للتخلص مني غالباً، لا حباً في العلم.
أدخلت مدرسة الأباء اليسوعيين (بالظاهر) بالقسم التحضيري الذي تديره الراهبات. . وكان بين مريبتي وبيني نضال كل يوم في الصباح، إذ كنت أحاول إلا أذهب إلى المدرسة، متعللاً بالمرض. ز ولكن مريبتي الخبيثة كانت تفهم حيلتي، فتقول: حسين. . إذا كنت مريضاً فابق بالمنزل، ولكن عليك أن تأخذ مسهلاً، فكانت بقولها هذا تضعني بين أمرين أحلاهما مرّ. . وكنت في النهاية أفضل المسهل لأن المدرسة كانت سجناً؛ إذ أغادر المنزل الساعة السابعة صباحاً (وكنا وقتئذ نقيم في المطرية)، ولا أعود إلا في الساعة