للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[أحاديث جدتي]

تأليف الآنسة سهير القلماوي

بقلم الأستاذ محمود الخفيف

تناولت هذا الكتاب الظريف، فما وضعته حتى أتممت قراءته، ولكم تمنيت لو طالت تلك الأحاديث الرقيقة وما زخرت به من الصور الطلية، فشغلت من الصحائف أكثر مما ضمه بين دفتيه ذلك الكتاب، فإن إعجابي بها وشدة تأثري بأخيلتها الهادئة الساحرة قد جعلاني أشعر عند انتهائها بما كنت أشعر به ليالي الطفولة العذبة حين كانت تنتهي الحكاية الشيقة بغتة وأنا أكثر ما أكون استمتاعاً بها.

على أن الشيء الجميل إذا علق بالنفس فإنما هو مبعث سرور دائم، ولقد يتزايد ما يبعثه في النفس من الغبطة بعد أوانه. ذلك ما أحسه بعد قراءة هاتيك الأحاديث الجميلة، وهي سلسلة أحاديث دارت بين الكاتبة وجدتها تصف الحياة المنزلية والحياة الاجتماعية للجيل الذي سبق جيلنا؛ أثارتها الذكريات من نفس الجدة فتحدثت عن الحياة المنزلية، ثم أعاد إلى ذهنها استشهاد فتاها في الحرب ذكر الثورة العربية، فوصفتها معلقة عليها ثورة أفكارها وخواطرها، إلى أن عادت في نهاية الكتاب إلى وصف الحياة الزوجية وما كان يتخللها من عواطف في ذلك الجيل

استطاعت الكاتبة النابهة في غير تكلف أن تقدم بين يدي كتابها جوا خياليا لطيفا، يستهويك فيخيل إليك أنك تسمع ولست تقرأ، وكأنك تعيش في هذا المنزل وتراها تستمع إلى جدتها، وترى ما تصف لها من أماكن وأشخاص. نعم كأنك ترى عائشة لا تعرف كيف تلبس البرقع فتضحك صاحباتها، وكأنك ترى الشيطان يقطع عليها صلاتها بطرطوره الأحمر، وكأنك ترى إسماعيل معلقا في العمود، وصباح تهش عنه البعوض متألمة باكية، بل لكأنك أنت الذي تحس لذعات البعوض، ثم كأنك ترى الحمام وتسمع ما ينبعث منه من أصوات، وكأنك ترى غير هذا من المناظر المؤلمة، فترى الجيش المحتل يخترق شوارع القاهرة، وترى الجدة تأخذ سكين المطبخ تدفع بها كيد الضابط الذي يطرق الباب، وكأنك ترى مذبحة الدراويش في أحراج الأبيض، إلى غير ذلك من المواقف القوية المثيرة.

وتحت تأثير ذلك الخيال توحي إليك (سهير) أحاديث الوفاء والوطنية والبطولة، وتعرض

<<  <  ج:
ص:  >  >>