يرى الداخل إلى مصحة تسايلابس حديقة جميلة زينت بالورود ونسقت بالزهور المختلفة الألوان، فإذا من انتهى من الحديقة ودخل من الباب العام للمصحة، وجد نفسه في ردهة فسيحة ذات جناحين كبيرين أحدهما للرجال والآخر للنساء قد صفت فيهما الآرائك، ونسقت أشجار الظل وأصص الأزهار المعروفة بالحدائق الشتوية التي لا تنفك عينك تقع عليها أبداً في بلاد النمسا الجميلة. ثم لا يلبث أن يرى أفواج المرضى يتدفقون عندما يقترب موعد العلاج: وهو منظر يذعر له من يراه لأول مرة، ويكاد يذوب قلبه حسرة على أولئك المساكين وخاصة منهم المشلولين والمقعدين الذين يجرون في العربات جر الأطفال الصغار لعدم قدرتهم على المشي والحركة. يأخذ كل مريض مكانه على تلك الأرائك. وفي يد كل تذكرة دخول ثمنها ثلاثة شلنات نمساوية أي نحو أحد عشر قرشاً مصرياً تبيح له الدخول مرة واحدة. وقبل ميعاد العلاج بعشر دقائق يفتح باب يوصل إلى ردهة فسيحة ثانية توجد بها أرائك أخرى ومشاجب تعلق عليها الملابس، وتقف سيدة تتسلم تذاكر الدخول وأخرى تأخذ بيد العميان إلى أماكنهم. وهنا يخلع الجميع ملابسهم العليا ليصير النصف العلوي لجسم كل منهم عرياناً. فإذا دقت الساعة النصف بعد السابعة أو العاشرة صباحاً، أو الثانية بعد الظهر، فتح باب حجرة العلاج على مصراعيه، ووقف به ساحر جالزباخ يستقبل مرضاه، وهو رجل مسن، ولكنه بدين الجسم طويل القامة قوي الساعد مفتول العضل حاد النظر طويل اللحية أحمر الوجه دائم الابتسام، يفيض البشر من عينيه الواسعتين البراقتين، يحيي مرضاه بابتسامة ساحرة، ويداعبهم بمختلف الدعابات، ويقف بجواره نجله الدكتور فرتز الذي درس الطب في ألمانيا ثم انقطع لمساعدة والده في تلك المصحة العظيمة. أما حجرة العلاج فهي حجرة فسيحة مربعة طولها ١٢ متراً وارتفاعها ٧ أمتار، غطيت جدرانها بطلاء بنفسجي اللون، وأقيمت بجوار تلك الجدران عدة أفران كهربائية ذات أضواء مختلفة الألوان بعضها قوي جداً وبعضها ضعيف. فإذا دخل فوج المرضى تلك الحجرة تراصوا صفوفاً أمام آلة العلاج يتقدمهم الأطفال ويتلوهم المشلولون والعميان