قرأت بإمعان ذلك المقال الذي كتبه الأستاذ محمود أبو ريه بالرسالة العدد ٦٣٣ عن (الحديث المحمدي)، وقد سرني منه أنه أراد أن يدرس دينه بالرجوع إلى مصادره الأصلية. وقد ذكر أنه لما أخذ في دراسة الحديث النبوي على هذا النحو ظهرت له حقائق وسرد بعضها، وقد تتبعت الأستاذ في حقائقه، فوجدت أن منها ما يجافي الحقيقة، ولم يكن مبنياً على دراسة عميقة راجعة إلى مصادر الحديث الأصلية:
١ - ذكر الأستاذ أنه لا يكاد يوجد في كتب الحديث كلها حديث قد جاء على حقيقة لفظه ومحكم ترتيبه، حتى لقد قال الإمام الشاطبي:(أعوز أن يوجد حديث عن رسول الله متواتر)؛ ولا أدري ما مبعث هذا الحكم: أهو نقل أم استقراء؟ فإن كان الأول فليدلنا عليه، وإن كان استقراء، فالواقع خلاف ذلك، ونحن لا نقول بأن الأحاديث كلها رويت بألفاظها، وكيف؟ وقد ثبت أن القصة الواحدة، أو الواقعة، رويت بألفاظ مختلفة، وأساليب متباينة وإن كان المعنى واحداً؟ ولا نقول بأن الأحاديث كلها رويت بالمعنى، وكيف؟ ومن الأحاديث ما اتفقت الروايات على لفظها - وإن لم تصل إلى درجة المتواتر - ومن الأحاديث ما لا يشك متذوق للبلاغة أنها من كلام أفصح العرب؛ ومن قبل أدرك أئمة في اللغة والبيان هذه الحقيقة، فألفوا الكتب في البلاغة النبوية
ولقد أدهشني أن اتخذ كلمة الشاطبي مؤيدة لدعواه، وأنا أقول للأستاذ: فرق بين عدم وجود حديث متواتر بلفظه، وبين عدم وجود حديث بلفظه، فقد ينتفي الأول ولا ينتفي الثاني، لأن المتواتر نوع خاص (وهو حديث رواه جمع بحيل العقل تواطؤهم على الكذب). وهو لفظي أو معنوي؛ وقد بحث علماء الحديث عرضاً في التواتر وفي وجوده؛ وبعضهم - كابن الصلاح - حكم بندرته، وبعضهم منعه، وبعضهم حكم بكثرته. ومع هذا لم يقولوا إنه لا يكاد يوجد حديث بلفظه. ومن يشك في أن ما روى عن الرسول الكريم مثل (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) و (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً)(أرحنا بها بلال) يعني الصلاة. وغير ذلك كثير من كلام النبوة، ومن ينكر ما في هذا المنطق من نور