كن في مجتمع وانظر إلى الناس من حولك وتفرس فيهم، فإنك تستطيع بعد شيء من التدرب والتعلم أن تحدد، ولو بالتقريب، شخصيات الكثيرين منهم، فتقول إن هذا الأول شخص جاد مستقيم في عمله في لهوه، فهو يعمل ليعيش، ويلهو ليعمل، كأنما هو آلة حكم عليها أن تدور دورتين دورة ذات اليمين ودورة ذات الشمال. فإذا تركته ونظرت إلى الثاني قلت إن هذا الثاني شخص حائر لا يعرف لماذا نوجد في هذه الحياة ولا يعرف أي أعباء الحياة يحمل ولا أيها يدع، فهو يرمق كل شيُ باهتمام، ولا تعدو رمقته إلى الأشياء هذا الاهتمام، ولا تجوزه إلى الاختبار والمعرفة ثم الاستغلال. فإذا تركته ونظرت إلى الثالث قلت إن هذا الثالث مغالط اختلس في الدنيا ما كان غيره أحق به منه، وهو يعرف أنه مختلس، ويعرف أن المختلس مهدد بالانفضاح، ولذلك فإنه يعمد إلى تغطية مغالطته الأصلية المجرمة بمغالطات أخرى فرعية هي أيضاً مجرمة. فإذا تركته ونظرت إلى الرابع قلت إن هذا الرابع ضعيف هزيل ولكنه راغب في الحياة، وفي لون مريح من ألوان الحياة يرضاه، فهو يتوسل إليه بإهدار كل مواهبه وكل قواه لا يعبأ بأن يكون موضع النقد، ولا بأن يكون موضع السخرية، ولا بأن يكون موضع التحقير ما دام يصل إلى الذي يريد من الراحة الرخيصة التي استهوته والتي طمع فيها على غير جدارة منه لها. . . فإذا تركته ونظرت إلى الخامس قلت إن هذا الخامس حقود، فإذا تركته ونظرت إلى السادس قلت إن هذا السادس بخيل، فإذا تركته ونظرت إلى السابع قلت إن هذا السابع بحاثة، فإذا تركته ونظرت إلى الثامن قلت إن هذا الثامن فنان. . . وهكذا. . .
بل أن من الناس من تستطيع بالنظرة الأولى إليه أن تعرف الحرفة التي يحترفها، فهذا تعرفه معلماً من عنايته بالنظافة والنظام، ومن حركاته الميكانيكية التي اصطنعها لتكون نموذجاً للتلاميذ يتحركون على نمطها، ولتكون في الوقت نفسه ستاراً بينه وبين التلاميذ فلا