والمعجزات هي براهين الأديان أنها من عند الله وليست من عند الإنسان. والأديان لا تكون شيئاً إن لم تكن من عند الله ويقم البرهان الناصع الساطع على أنها من عنده. فصدورها من الله ضمان هدايتها الإنسانية في كلُّ الظروف ما أطاعتها الإنسانية. ووضوح البرهان على أنها من عند الله ضمان استيقان الإنسان إياها وطاعته لها. وسواء أكان الدين خاصاً بأمة أم عاماً للبشر فالبرهان عليه ينبغي أن يكون عاماً يخضع له كلُّ عقل، لا خاصاً تخضع له بعض العقول. وليس يفي بهذا الشرط في البرهان على الدين الحق انه من عند الله إلا المعجزات.
والإنسانية الآن في حاجة إلى دين تخرج به من ورطاتها بعد أن كادت أن تهلك حين نسيت الدين. ولو أرادت البحث بعقلية علمية عن دين الفطرة - كما لا بد لها يوماً أن تبحث - فليس أمامها إلا أن تنظر في الأديان كظاهرة كونية. وفي الحق أنها ظاهرة من أكبر الظواهر الواقعية وأعظمها مظهراً وأثراً في حياة الإنسان. والواقع هو موضوع الدراسات العلمية أو هو موضوع العلم الطبيعي بشرط ألا يكون لهوى الإنسان دخل فيه، لأن الهوى والحق قلما يجتمعان. لذلك لم يجعل العلم التاريخ مجالاً لبحثه لأن الأهواء من عوامل التاريخ.
لكن هناك ظاهرة تاريخية هي أهم ظواهر التاريخ وأشبهها بالظواهر الطبيعية التي ليس للإنسان عليها سلطان وإن جرَت على أفراد من الناس. هي تلك ظاهرة النبوة وظهور الأنبياء. وهي في تاريخ البشرية أشبه ببعض الظواهر الفلكية النادرة المتجددة؛ ولو ضربنا لها مثلاً ظاهرة المذنَّبات لم نبعد. يظهر النبي في أفق البشرية من عصر لعصر. كما يدخل المذنب أفق الأرض بين حقبة من الزمن وحقبة، فيشغل به الناس ما لبث في أفقهم، ثم يذهب المذنَّب غير تارك أثراً ويبقى للنبي عظيم الأثر في الناس.
وظاهرة الأنبياء فيها كل ما في الظواهر الطبيعية الفلكية من مميزات. فهي من ناحية ظاهرة واحدة متجددة، فالنبي أشبه بالنبي من النجم بالنجم: