للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[من الأدب الإنجليزي]

كنار يموت

للدكتور و. ج. لونج

في الصيف الماضي ضربت خيمتي خلف عين ماء وسط الغاية، وكنت كثيرا ما أستلقي بجوارها لا لأشرب، بل لأكون بقربها برهة ألاحظ في هدوء حبيبات سيالها البارد تنسل من ثنايا أرضها السوداء، محوطة بفقاقع راقصة، ثم تضرب في زحمتها الدائمة نباتي السرخس والطحلب المحيطين بشواطئ العين، ومن حين إلى آخر كانت الحيوانات البرية تسمع نداء دعوتها الخافت لمن أحرقه العطش، فتأتي مسرعة مهطعة. ولكنها حينما تراني تتراجع إلى مرقبها من نبات السرخس. حيث تختبئ هناك متسمعة، ولكن الغدير الصغير يستمر في ندائه الخافت، فسرعان ما تخرج من مخبئها معتبرة إياي صديقا لها لطول جلوسي بقرب غديرها.

وفي ذات يوم ذهبت إلى الغدير، فرأيت على غصن شجرة دائمة الخضرة كنارا صغيرا طالما لاحظته من قبل مستريحا بجوار الغدير، أو متنقلا في دعة هادئة فوق الأعشاب السندسية، وخيل إلي أنه ما كان يأتي إلى هنا إلا لشغفه بحب الغدير مثلي، فنادرا ما رأيته يستقي منه، ولكنه كان دائما هناك، لقد كان كهلا وحيدا. وقد أخذ اللون الأغبر يغير على تاجه اللامع السواد، وأخرج له العمر الطويل قشورا كثيرة حول ساقيه، ولم يكن لتبين عليه الرهبة أو تتملكه رعشة الخوف. فكأنما بعث فيه كر الليالي وداعة الحياة، فكان يتحرك مبتعدا في أناة إذا ما اقتربت من مكانه، ولكنه لا يذهب بعيدا، وبلغت به الوداعة أنه كثيرا ما قاربني يظنني لاهيا عنه بتحديقي الدائم في الغدير.

واليوم قد جلس على هذا الغصن المعلق فوق مياه الغدير، في هدوء أكثر من هدوئه الأول، وكان وديعا مستسلما، حتى لم يبد نفوراً حينما مددت يدي أتحسسه، بل اتكأ في سكون ودعة على إصبعي وأسبل عينيه في طمأنينة، ومضت نصف ساعة، وهو في حالته هذه مسرور يهتز مهوما من آن إلى آخر، فاتحا عينيه في فترات، محدقا بها في اتساع، كلما وضعت له على إصبعي نقطة من الماء الذي رواه صغيرا، وصاحبه كبيرا. ولما أقبل المساء وصمتت ألسنة الغابة واستولى عليها سكون موحش، وضعته في رقة ولطف على

<<  <  ج:
ص:  >  >>