للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[البريد الأدبي]

سجموند فرويد في تمام الثمانين

يحتفل العالم هذا الأسبوع بالعالم السيكلوجي الكبير سجموند فرويد لبلوغه الثمانين. . . وقد يبتسم القارئ حين يذكر بيت شاعرنا العربي الخالد (إن الثمانين وبُلّغتها. . . . . .) لاسيما إذا علم أن فرويد المحتفل به، والذي يعتبر واحداً من أعظم علماء العصور الحديثة إن لم يكن أعظمهم جميعاً، هو رجل ضعيف البنية هزيل الجسم، قد تحالفت عليه الأمراض. ولكنه بالرغم من ذلك يملك عقلاً جباراً لا يكل من التفكير، ولا يفتر نشاطه أمام ما ينتاب بدنه من الأوصاب

ولد فرويد في مايو سنة ١٨٥٦ من أبوين يهوديين في مدينة فريبرج من أعمال مورافيا، والإمبراطورية النمسوية إذ ذاك في عنفوان مجدها. وبعد أربعة أعوام ذهب به أبوه إلى فينا حيث تعلم في مدارسها وقضى صدر شبابه في ربوعها؛ ولما بلغ من العمر التاسعة والعشرين غادرها إلى باريس (١٨٨٥) بقصد التزود من الثقافة العالية التي كانت باريس مثابتها في هذه الآونة - ولكنه - لأمر ما - لم يلبث في باريس غير سنة واحدة عاد أدراجه بعدها إلى فينا

وكانت نفسه تجيش بآمال كبار، وكان ينظر إلى أساليب التفكير السائدة في أوروبا في ذلك الوقت كأنها أصبحت أساليب عتيقة لا تليق برقي الإنسانية التي تتيه بعصرها الحديث على جميع العصور القديمة والوسطى. وكانت عوامل الثورة في نفس فرويد الشاب تنفجر في الفينة بعد الفينة، ولكنها كانت تكبت بقوة وقسوة تلقاء التيار الرجعي الجارف الذي كان يكتسح النمسا في ذلك الوقت. فلقد حدث أنه ألقى أولى محاضراته بعد أن عاد من باريس عن الهستريا ومسبباتها النفسية الباطنية، وكان ذلك في جمعية الأطباء بفينا، فما كاد ينتهي من محاضرته حتى ثارت في الصالة عاصفة هوجاء من الضحك منه والسخرية به وبآرائه، وحتى انصرف العلماء الأفاضل يتهكمون به ويلمزون آراءه لمزاً شديداً قاسياً! ولقد كان لهذه الصدمة صداها الشديد في نفسه، فآثر أن يعتزل هذا الجمهور الفظ من العلماء الجهلة - إن صح هذا التعبير - وأن يعمل للعلم وحده بعيداً عن ضجيج هؤلاء الأصنام، وبمعزل من صخبهم. بيد أنه لم يسلم، برغم هذه العزلة من خصومه ولدد يثيرهما

<<  <  ج:
ص:  >  >>