من الوسائل الفعالة في الحروب الحديثة إلقاء النيران الحامية على مصانع الأعداء. فبهذه الوسيلة نستطيع أن نحد من قوتهم ونضعف مقدرتهم على الاستمرار فيها. وقد حشدت ألمانيا في المصانع كل ما تبقى لديها من الرجال للعمل في صنع الذخائر، فإذا هوجمت تلك المصانع فقدت ألمانيا عدتها من الرجال. وقد أعلن مسيو بيير كوب في مجلس النواب الفرنسي في ٢٠ من يناير سنة ١٩٣٩ أن ألمانيا قد حشدت في مصانعها من الرجال ما يربو على الخمسة والستين. بينما تستعد فرنسا لوضع عشرة من العمال الأميركيين في مصانعها بازاء كل جندي فرنسي في خط القتال
إن الفوز في الحروب الحديثة قد يكون في المصانع كما يكون في ميادين القتال. فتعطيل حركة المصانع أو إيقاع الاضطراب في داخلها، وإيقاف الإمدادات التي تعول عليها الجيوش في ميدان القتال من أسلحة وأطعمة وملابس يعد من الطرق الفعالة في الحروب، وهو عند العارفين بمثابة الفوز في معركة من معارك القتال
والمؤونة التي يحتاجها الجندي والحيوان لها المرتبة الأولى في الحروب. فالأمة الجائعة لا تستطيع أن تحارب وقد يكون جيشها عرضة للانشقاق. وقد بدأت ألمانيا تضحي بالزبد من أجل البنادق، وأصبحت المواد التي يغذي بها الجيش من الزبد واللبن والدهن والخبز والدقيق مغشوشة جميعها. ومما لا شبك فيه أن ألمانيا الآن في حاجة ماسة إلى الدهن بكافة أنواعه. وقد كانت ألمانيا تعول على الولايات المتحدة في إمدادها بما تحتاجه من ذلك، إلا أن موقف أميركا بالنسبة لألمانيا اليوم سيحرمها مما كانت تستصدره من هذه المواد
فألمانيا والحالة هذه تدخل الحرب وهي في حالة اقتصادية لا تحسد عليها. ولعل أي طارئ جديد يهدد ما تختزنه من المؤونة الآن قد يعرضها لقحط شديد، وهنا يكون للطائرات الفضل الأكبر في كسب الحرب. فالغارات الجوية على المخازن والمزارع والمطاحن التي تعول عليها ألمانيا عليها كل التعويل ستجعلها في أحرج المواقف
إن اختيار مواقع الغارات خير من إلقاء مقذوفاتها بغير حساب؛ فهولا يعرضنا لعداوة الرأي