شيّع الناس بالأمس عاماً قالوا إنه نهاية الحرب، واستقبلوا اليوم عاماً يقولون إنه بداية السلم. وما كانت تلك الحرب التي حسبوها انتهت، ولا هذه السلم التي زعموها ابتدأت، إلا ظلمةً أعقبها عمى، وإلا ظلماً سيعقبه دمار! حاربت الديمقراطية وحليفتها الشيوعية عدوتيهما الدكتاتورية، وزعمتا للناس أن أولاهما تمثل الحرية وللعدالة، وأخراهما تمثل الإخاء والمساواة، فالحرب بينهما وبين الدكتاتورية التي تمثل العلو في الأرض، والتعصب للجنس، والتطلع إلى السيادة إنما هي حرب بين الخير والشر، وصراع بين الحق والباطل. ثم أكدوا هذا الزعم بميثاق خطوه على مياه (الأطلسي)، واتخذوا من الحريات الأربع التي ضمنها هذا الميثاق مادة للدعاية شغلت الإذاعة والصحافة والتمثيل والتأليف أربع سنين كوامل، حتى وهِمَ ضحايا القوة وفرائس الاستعمار أن الملائكة والروح يتنزلون في كلُّ ليلة بالهدى والحق على روزفلت وتشرشل وستالين، وأن الله الذي أكمل الدين وأتم النعمة وختم الرسالة قد عاد فأرسل هؤلاء الأنبياء الثلاثة في واشنطون ولندن وموسكو، ليدرءوا عن أرضه فساد الأبالسة الثلاثة في برلين وروما وطوكيو! وعلى الوهم الأثيم بذلت الأمم الصغرى للدول الكبرى قسطها الأوفى من الدموع والدماء والعرق؛ فأقامت مصر من حريتها وثروتها وسلامتها في (العلمين) سداً دون القناة، وحجزت تركية بحيادها الودي سيل النازية عن الهند، وفتحت إيران طرقها البحرية والبرية ليمر منها العتاد إلى روسيا؛ ولولا هذه النعم الإسلامية الثلاث لدقت أجراس النصر في كنائس أخرى!
ثم تمت المعجزة وصُرع الجبارون ووقف الأنبياء الثلاثة، على رؤوس الشياطين الثلاثة، يهصرون الأستار عن العالم الموعود؛ وتطلعت شعوب الأرض إلى مشارق الوحي في الوجوه القدسية، فإذا اللحى تتساقط، والقرون تنتأ، والمسابح تنفرط، والمسوح تنتهك؛ وإذا التسابيح والتراتيل عواء وزئير، والوعود والمواثيق خداع وتغرير؛ وإذا الديمقراطية والشيوعية والنازية والفاشية كلها ألفاظ تترادف على معنى واحد: هو استعمار الشرق واستعباد أهله!
أذن برح الجفاء وانفضح الرياء وعادت أوربا إلى الاختلاف والاتفاق على حساب العرب والإسلام!
هذه إيران المسلمة، ضمن استقلالها الأقطاب الثلاثة، حتى إذا جد الجد تركوها تضطرب