كلمتني ضحى اليوم بالتليفون تذكرني بموعدها عصر الغد بجروبي؛ وتعتذر من هذا التذكير بأنها تخشى أن تكون استجابتي لمواعيدها في القاهرة كإجابتي عن رسائلها من العزبة. ولو لم يكن في مكتبي وهي تتكلم بعض المتزمتين لقلت لها إن الأمر بين الحالين جدُّ مختلف؛ فإن إجابتي عن رسائلها قد أصبحت من فضول القول بعد أن صارحتني بأنها تطلب الحب ولا تطلب المعرفة، وتريد الغزل ولا تريد النصيحة؛ ولكن استجابتي لموعدها أدب من آداب النفس المهذبة، يزيد في الحرص عليه شوقي إلى رؤية وجه يتجلى في اليقظة بعد أن تمثل لي طويلاً في الحُلم، ثم أملي أن ينجح في كبحها اللسان بعد أن فشل في كبحها القلم. ولقد استخفى علم الله صوتها الموسيقي في السماعة فهممت أن أطلب منها تقديم الموعد يوماً ولكنني لم أفعل؛ لأني أكبر نفسي أن تخضع في أية حال لهواها، ولأني أوثر أن أقرأ ما بقي من رسائلها قبل أن ألقاها.
حملتُها على قطع الحديث بأجوبتي البطيئة المقتضبة، لأن الجالسين إلي كانوا قد كفوا عن حديثهم وجعلوا بالهم لحديثي، وما أدري أكان ذلك منهم اتباعاً لأدب السلوك أم استطلاعاً لحديث امرأة! وضعت السماعة وعدت إلى زوّاري الأكرمين أناقلهم حديث الأدب وأراجيف السياسة، حتى انفض المجلس وخلا المكتب فنشرت بين يديّ ما عثرت عليه ليلة أمس من بقايا رسائلها الحمر، وأخذت أصفحها ورقة ورقة فأُلقي المكرر أو السخيف، وأُبقي المفيد أو الطريف، ثم رجعت النظر فيما استبقيت فلم أجد غير رسالتين اثنتين تستحقان التلخيص والتسجيل، وتستأهلان التعليل والتحليل، فأثبتهما ملخصتين في صفحة هذا اليوم من مذكراتي، لتكونا تكملة لصورتها وتغذية لتصوراتي
قالت الآنسة في رسالتيها ما ترجمته: (ما لك تبتعد عني متراً كلما دنوت منك فِتراً؟ لقد أوصدت بابك دوني ثم تركتني أطرقه وأطرقه حتى أصم أذنيّ الطرق وأنت لا تجيب! هل تجد في ردك على رسائلي إحراجاً لك أو إزراءً بك أو تبعة عليك؟ إن كنت لا تحبني - كما أعتقد - فهلا تظاهرت لي بالحب إشفاقاً على هذا القلب الذي يحترق ولا يجد بَرده إلا