يقول المثل السائر:(العقل السليم في الجسم السليم). والأمثال تقبل عادة من غير محاولة إثبات. ولكن إلى أي حد يطرد هذا المثل؟ إن الملاحظة تؤيد أن من بين أصحاء الأجسام كثيراً من الأغبياء وضعاف العقول، كما أن من بين ذوي العاهات والمرضى عدداً من العبقريين. وقد عرفت إنجلترا مصرياً كان قد أقعده المرض سنوات طويلة، فعطل من وظائف رجليه ويديه وظهره وأسنانه، ومع هذا كان نشط العقل، يفكر وينتج. كان يُقرأ له في الفراش، وكان يؤلف ويملي، ويقرض الشعر العربي والإنجليزي، ويملي مقالاته باللغتين. وكان لبق المنطق، حاضر الفكرة. وقد لا يكون من الصعب أن نعثر على آخرين أمثال صاحبنا هذا، ولكن الملاحظة العرضية لا تكفي لتحقيق القضايا العلمية. وسأعرض في هذا المقال نتيجة أبحاث العلماء في العلاقة بين الذكاء والجسم.
شغل العلماء من القرن الثامن عشر بمعرفة ما إذا كان من الممكن الحكم على صفات الفرد العقلية من صفاته الجسمية. وقد ظهرت عدة نظريات كانت كلها محاولات لكشف العلاقة بين العقل والجسم. وقد تناولت بحوث العلماء في هذا الصدد الموضوعات الآتية:
١ - شكل الجمجمة وحجمها، وملامح الوجه، وعلاقة كل هذا بالعقل.
٢ - قدرة الرئة على التنفس وعلاقة هذه القدرة بالذكاء.
٣ - دقة تمييز الحواس المختلفة، ومقدار سرعة إدراكها وعلاقة ذلك بالذكاء.
٤ - زمن الرجع (أو رد الفعل) للمؤثرات الحسية الخارجية.
٥ - الإفرازات التي تخرج من الغدد الصماء وأثرها في الوظائف العقلية.
٦ - العلل الجسمية وأثرها في الإنتاج العقلي والذكاء.
- ١ -
كتب لافاتير السويسري كتاباً عن (الفراسة الوجهية) في النصف الأخير من القرن الثامن عشر، قال فيه بإمكان الحكم على ذكاء الفرد من تقاطيع وجهه، وشكل الجبهة والأنف وحجم الفك. ومع أن هذه النظرية لاقت أنصاراً حين ظهور الكتاب، ولا يزال لها في العصر الحاضر مؤيدون من عامة القراء؛ فمن المؤكد علمياً أنها نظرية باطلة، لأن مقاييس