لقد قصدت حين اخترت (رسالة الطالب العربي) موضوعاً لحديث أن أتحرر مما تقتضيه المحاضرات من جهد وعمق فلا يرتفع بحثي إلى مرتبة المحاضرة وما تتطلبه المحاضرة من تقدمة وتفصيل وتحليل، وأن يكون سبيلي حديثاً مرسلاً له صفة الحديث، وهي أنه ذو شجون، فأطالعكم بما يعرض للذهن من خواطر وذكريات يطمئن لها خيالي وشعوري حين يجري حديث العرب. وهأنذا في مكاني هذا أذكر مواقف ماثلة أمامي على الرغم من بعد الشقة وتتابع الأحداث. ففي صيف سنة ١٩٣٧ وقفت على رابية من ربى لبنان الجميل أخطب كشافة العرب: لبنانيين وعراقيين وشاميين وفلسطينيين، فكنت أبصر بعيني بعض البقاع العربية وأستجمع بخيالي نائي الأقطار والديار، فلا ألمح حدوداً بين بعضها وبعض، إن هي إلا أمة واحدة في رقعة من الأرض واحدة، يؤلف بين أجزائها ماض واحد وحاضر مشترك ومستقبل منشود، ويحفز شبابها المتوثب أمل قوي في تجديد الحضارة العربية، وبعث المجد الذي حفلت به صفائح التاريخ. وكذلك لا أنسى أني وقفت أخطب شباب العراق وأتحدث في مذياع بغداد، فجعلت أسائل نفسي: أفي بغداد أنا أم في القاهرة، وعلى ضفاف دجلة أو على شاطئ النيل السعيد، أغريب أنا في هذه الديار، أم أنعم بين عشيرتي وأهلي؟
والآن أقف في جمع يضم شباب العرب من أقطار شتى في ظلال الجامعة المصرية، فلا أجد في نفسي شعور الغريب يتحدث إلى الغريب، وإنما أشعر حق الشعور بأني أتحدث إلى طائفة من بني قومي ليس بيننا وبينهم من الفوارق غير نأى الدار وشط المزار توثق بيننا أمتن الروابط الثقافية والروحية، ويهدينا إلى المستقبل قبس تلك الحضارة العتيدة التي انتظمتنا في الماضي، فجعلت منا أمة موحدة في عقيدتها وأهدافها من المثل العليا
إن رسالة الطالب العربي هي رسالة الجيل الجديد، وهي رسالة المستقبل القريب، فهذه الجماعة التي تألقت من الطلاب العرب في كلية الآداب لترسم الطريق لتحقيق الرسالة، عليها أن تبدأ بتهيئة نفسها لخوض غمارها، وتستوفي من ألوان الإعداد ما يكفل لها النجاح في مهمتها، فأول ما يجب أن يفكر فيه الطالب العربي هو إعداد نفسه وتكوين ذاته،