للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[التذوق الأدبي]

للأستاذ محمود عبد العزيز محرم

تقرأ قصيدة من الشعر أو كلمة من النثر فتعجب بها وتترك في نفسك أثراً يختلف من حين إلى حين شدة وضعفاً. وما دام الأدب تعبيراً عن خوالج النفس، تعبيراً عاطفياً، فإنه لابد أن يؤثر في نفس القارئ أو المستمع، تأثيراً لا نقول أنه هو ما في نفس الكاتب، بل يكاد يكون هو ما في نفس الكاتب. والأدب ككل فن من الفنون الجميلة، أن لم يتحدث إلى النفس بمنطقها الذي قد يتفق ومنطق العقل وقد يختلفان، فإنه يصبح شيئاً مرذولاً، ونتاجاً ثقيلاً، ليس أدبياً صرفاً ولا عقلياً خالصاً. فالفنون لا تخاطب العقل ولكنها تخاطب النفس. ومنطق النفس يصعب وصفه وتحديده، غير أنه في كثير من الأحيان مزاج يصعب فصل عناصره الأولى من المنطق العقلي والمنطق العاطفي.

وإذا كانت العاطفة تختلف من إنسان إلى إنسان، شدة وضعفا، تفاؤلا وتشاؤمنا، نبلا أو سفاهة؛ وإذا كان أسلوب التفكير لدى إنسان غيره لدى إنسان آخر، فإن التأثر الأدبي والفني يختلف من إنسان إلى إنسان تبعاً لاختلاف العواطف ومكوناتها وتبعا لاختلاف أسلوب التفكير.

فالأدب ليس وقعه واحداً في النفس الإنسانية، بل يختلف شدة وضعفاً، عمقاً وسطحية، استغراقاً وهامشية، من إنسان إلى إنسان. وهو في النفس الواحدة يختلف من وقت إلى آخر، لأن النفس يتحكم في تأثرها وحكمها على الآثار والأشخاص الظروف الطارئة، والآثار العارضة، والمواقف الجديدة.

فالتأثر الأدبي يختلف من نفس إلى نفس وفي النفس الواحدة يختلف من وقت إلى أخر. لذلك فإنه لا يكون واحداً في النفوس جميعاً، ولن يكون واحداً في النفس الواحدة، بل أنه أن كان واحداُ في جوهره، فإنه يختلف في حواشيه، وصوره، وما يستتبع من آثار، من وقت إلى أخر.

وهذا هو الخلود في الأدب والفن، فإنه لا يبلى، بل يتجدد دائما في الأصباح والأمساء. وكل إنسان يتذوقه بأسلوبه الخاص؛ أسلوبه العاطفي والمنطقي. هو واحد نؤمن به جميعا، ولكنني أومن به في صورة غير الصورة التي تراها أنت. إما جوهر العلم وحقيقته فإنا بها

<<  <  ج:
ص:  >  >>