للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[صور من العصر العباسي:]

القرية الفضية. . .

للأستاذ صلاح الدين المنجد

هذه القرية، هي إحدى عجائب العصر العباسي في بغداد. وما أكثر ما كان من زمن العباسيين من عجائب! وكانت قرية من فضة، وفيها كل ما تجد في القرى من بقر، وغنم، وجمال، وجواميس، وأشجار، ونباتات، ومساح، وناس، وكل ذلك قد صنع بأدق صنعة من الفضة، وأنفق عليه آلاف من الدراهم.

وكانت هذه القرية قد صنعت للخليفة المقتدر، ليرى كيف تكون القرى، وأغلب الظن أنه اشتهى رؤية قرية فصنعت هذه له.

وقد نعجب بالحضارة الإسلامية التي بلغت في القرن الرابع نضجها فأبدعت أشباه هذه الأشياء. وقد يدهشنا ما أنفق هذا الخليفة من الأموال، لتصنع له هذه القرية، ولكن الذي يدعو إلى العجب والدهشة معاً، قصة هذه القرية، وأثر النساء في مصيرها.

وهذه القصة جديرة بأن تكون خاتمة لمقالي السابق عن حكومة النساء لدى الخلفاء في زمن بني العباس.

ذلك بأن أم المقتدر، - وكان لها من الشأن ما عملت - كان لها داية تخدمها تسمى (نظم) وكانت نظم بارعة ذكية، فما زالت حتى صارت من قهارمها، وصارت تجري على يديها الكبير من الأمور والصغير، وكانت نظم ترغب في رجل أسمه أبو القاسم يوسف بن يحيى، فرفعته، وانتهت به إلى أسنى الأرزاق وأوسع الأحوال، وقربت بينه وبين السيدة حتى أخرجت له الصلات، فتأثلت حاله، وصار صاحب عشرات ألوف من الدنانير ثم خلطته بخدمة السيدة الأم، فزاد منها تقرباً.

وعزم أبو القاسم هذا، على تطهير ابنه يوماً، فأعد وليمة الختان عدة كبيرة، وأنفق على ذلك ما لم يسمع أن فعل مثله رجل من الحاشية، حتى إنه لكثرة ما ابتاع من الحاجات أفرد عدة دور للحيوان، وعدة دور للفاكهة، وبلغ (نظم) خبره، فسعت عند السيدة الأم وجاءته من عندها بالأموال والفرش والآنية والثياب والمخروط (وهو نوع من الزجاج)، فلما مضت أيام سألت السيدة نظماً: يا نظم إيش خبر طهر ابن يوسف؟ قالت: يا ستي قد بقيت عليه

<<  <  ج:
ص:  >  >>