إذا كانوا يزعمون أن هذا العصر عصر الديمقراطيات والحريات والمساواة في الحقوق والواجبات، فهو إذن عصر المؤتمرات للأفراد والجماعات والهيئات. ومن الناس يأتمرون من مختلف الأمم، ويريقون على هذه المؤتمرات عواطفهم وميولهم، وينفضون عليها آمالهم ومثلهم، ويحيطونها بالضجيج وفنون الدعاوى، فإذا الناس يتحدثون عنها إذا أمسوا وإذا اصبحوا، حين يكتبون، وحين يخطبون، وحين يسمرون، وحين يهذون. وقد تصبح هذه المؤتمرات ملء الدنيا وشغل الناس، وقد يكون لها نصيب من حق، وحظ من جمال، ونَسَم من مثل عليا، ولكنها - على هذا كله - تبقى مؤتمرات تضم طائفة من أهل الأرض!
ولكنها - على هذا كله - تبقى أرضية، أرضية!. . .
أما مؤتمر العرب اليوم، دفاعاً عن فلسطين، فهو نوع آخر من المؤتمرات فذ طريف؛ من طراز لا عهد لأبناء الأمم الأخرى به ولا قبل لهم بمثله. . .
هو مؤتمر برئ كرقصة العجوز، صادق كصلاة الطفل، رائع كحلم الحسناء، شريف كأغنية البطل في جوف الليل.
هو، يا أهل المشارق والمغارب، مؤتمر اشتركت فيه الأرض والسماء! وهل اشتركت الأرض والسماء في مؤتمر قبل اليوم؟!.
من يدري، أيها المؤتمرون؟ لعل الأرض لم تتصل مرة بالسماء، اتصالهما بالقاعة التي ضمتكم، تلك القاعة التي هيأتها الأقدار لتكون اليوم مهبط الوحي، ولتكونوا أنتم اليوم رسل هذا الوحي إلى العرب والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها!. .
من يدري، أيها المؤتمرون؟ لعل مواكب العرائس من الحور العين كانت تمتد على حفافي طريقكم إلى قاعة المؤتمر مزغردات، هازجات، فأثارت على رؤوسكم الفل والياسمين والريحان، نافحاتٍ مواكبكم بأطياب العطور!. .
من يدري، أيها المؤتمرون؟ لعل أجنحة الملائكة كانت تخفق في جو القاعة المباركة، فتنفض عليه النور والقوة، والهناء والثقة؛ ولعل أرواح الأنبياء كانت - إذ وطأت أقدامكم