للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[تعقيبات]

للأستاذ أنور المعداوي

إلى الأستاذ توفيق الحكيم

اليوم، وأنا أعود بالقلم إلى هذا المكان الحبيب من الرسالة، أرى لزاماً علي أن أذكرك. . وإذا كنت قد عدت، فإنما هي استجابة لصدق محبتك ولطف مودتك، وما لمسته فيك من جمال الوفاء. . وكل تلك القيم النادرة في عالم الصداقة كان لها أعمق الأثر في نفسي، لقد دفعتني دفعاً إلى أن أحمل قلمي وأعود. . .

من حقك علي إذن أن أذكرك، لأنك ما فتئت تذكرني طيلة هذه القطيعة بيني وبين الرسالة. . . تذكرني بقلبك حين اقتصر غيرك على أن يذكرني بلسانه، وما أبعد الفارق بين لغة القلب ولغة اللسان! صدقني لقد كانت هذه القطيعة امتحاناً قاسياً لصداقة الأصدقاء وخصومة الخصوم، وما أكثر الذين (سقطوا) في الامتحان من كلا الفريقين. . . وصدقني أنه لا يهمني كثيراً أمر هؤلاء (الساقطين)، ولكن الذي يهمني هو أن أحبى الأصدقاء الأوفياء والخصوم الشرفاء، وحسبك أنك كنت في الطليعة من الفريق الأول!

أنت إنسان مخلص لصداقتك إخلاصك لفنك. . وأنا من الذين يربطون بين الوفاء للصداقة والوفاء للفن، لأنهما لازمتان من لوازم الحكم الصادق على طبائع النفوس إن جمال الصداقة لا يقل أبداً عن جمال الفن، والحق أن كليهما يا صديقي فن جميل. . . وكل فن جميل قطعة من النفس الشاعرة بخلود بعض الحقائق في كون كل ما فيه منته إلى الزوال.

أتذكر هؤلاء الذين صادفتهم يوماً ثم انقطع ما بينك وبينهم من أواصر الود وأسباب الصفاء؟ لقد اتهموك بأنك تنكرت للصداقة، وتخلفت عن الركب، وطمست بيديك سطور الذكريات. . . ولو أنصفوا الحقيقة والضمير لما اتهموك: لقد أغلقوا قلوبهم في وجهك فأغلقت قلبك، وكفوا ألسنتهم عن ذكرك فكففت لسانك، ومضوا في طريقهم لا يعرجون فمضيت في طريقك. . . وكأن الوفاء في رأيهم أن تلقاهم بعطر الزهور حين يلقونك بواخزات الشوك، وأن تحملهم إلى ارض الظلال وليس في أرضهم غير سفي الرمال، وأن تعترف بالماضي الأثير ولو دفنوه تحت أكوام التراب!

أتذكر هذا الذي كان؟ إنني أسجله هنا ليصحح بعض الناس موقفهم منك وماضيهم معك،

<<  <  ج:
ص:  >  >>