سنوات وسنوات، وأنا دائب السًري في هذه الطريق أفتش عن نفسي فلا أجد نفسي، وأنشد سعادتي فلا أجد إلا شِقْوة النفس وظمأ الروح وقلق الضمير! والطريق لا تنتهي إلى غاية، والعثرات تتكاءد السالك في كل منعرج وكل ثنية!
[دعيني أنام!]
فهل رأيت السعادة إلا حلماً هنيئاً يتخايل للنفس في لحظة ناعسةٍ ضرب النومُ على آذانها في ليلٍ مطبق؟
ما أجمل هذه الفراشة تتواثب في مطارفها الموشَّاة على أعين الناس! ولكن هيهات أن تنالها يد! كم جهدت جهدي في اللحاق بها فما بلغتْ. . .!
دعيني أنام! لعلي أن أنالها في سِنةٍ حالمةٍ تبلغ بي مالا مَبلغ إليه في يقظة الحياة!
دعيني، دعيني. . .! إنني وجدت نفسي هنا، وطالما نشدت نفسي فما وجدتها. . .!
إن بي حنيناً إلى هذا الفراش الدافئ بعد طول السُري وجهد السهر وكدّ الطريق!
افتحي عينيك يا عزيزتي على حقائق هذا الوجود ثم خبِّرني. . . ذكِّريني ما كان من ماضيَّ، فقد أَنسانيه ما ترادف عليّ من أحداث الزمان!
هل تذكرين يا عزيزتي تلك الأيام البعيدة، يوم كنا وليس لنا ماضٍ نأسَى عليه، ولا مستقبلٌ نتطلّع إليه، والدنيا تدور بالناس في حلقتها المفرغة وتدور بنا، فما يعنينا شيء من الدنيا ومن الناس، وما نشعر من الزمان إلا باليوم الذي نعيش فيه، هو كلٌّ تاريخنا في الحياة لا ماضيَ لَه ولا آت. . .؟
ذلك زمان كان فما له من معاد!
مَن كنتُ أنا عند الناس يومئذ ومن كنت؟
هل كنا يومئذ إلا فتاة وفتى قد ألفّ الحبّ بين قلبيهما! فما يُريان في الطريق إلا ذراعاً إلى ذراع، وخطوة إلى خطوة، وقلباً يعطف على قلب، وروحاً تهفو إلى روح، وعلى الشفاه