للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[٥ - الزندقة]

في عهد المهدي العباسي

للأستاذ محمد خليفة التونسي

الشعوبية والمجوسية - المجوسية وأطوارها بالإجمال -

زرادشت وماني ومزدك - انتشار المذاهب قبل الإسلام وبعده

إلى عهد المهدي.

بينا فيما تقدم بعض أسباب الشعوبية التي كانت تدفع الفرس إلى كره العرب والسعي إلى أطراح حكمهم ودينهم، وأشرنا إلى بعض مظاهر هذه الشعوبية ومنها كثرة انتفاضات الفرس على العرب طلباً للاستقلال ببلادهم ودينهم ونظمهم مما يدعونا إلى أن نسمي الحروب التي جرت بين الفريقين من جراء هذه الانتفاضات حروباً استقلالية، لأن الاستقلال هو الهدف الذي كان يرمي إليه الفرس من جراء هذه الانتفاضات، وأشرنا إلى بعض ما كان من سعي الفرس بطريق غير طريق القوة المباشر لكيد العرب وهدم سلطانهم السياسي والديني، ومن ذلك محافظتهم على كل ما هو فارسي يصلح للفخر على العرب به عند المفاخرة.

ولم يكن همنا في ذلك كله أن نفصل الكلام في الشعوبية وأسبابها ونتائجها جميعا بل الكشف عن العلاقة بين الشعوبية وبعض مظاهرها حتى لا تكن الزندقة التي نعتقد أنها أحد هذه المظاهر بدعة غريبة عن الشيوعية، ولم نقل ما قلناه آنفاً من الكلام في مظاهرها إلا لبيان أن الزندقة ليست المظهر الوحيد لها بل هي أحد مظاهرها، فكما حاول الفرس كيد العرب بكل الوسائل التي أشرنا إليها، والتي حال ضيق المقام عن الإشارة المفصلة إليها قبل - كذلك حافظوا على ديانتهم القديمة (المجوسية) ولهذه المحافظة أسباب: منها أنها أرض لنفوسهم من المحافظة على كثير من مفاخر فارس القديمة التي فاخروا بها العرب، وأرضى لعقولهم لأن ديانتهم أقرب إليها من الإسلام، فإن المجوسية قد نبتت في البيئة التي نبتوا فيها فهي منهم ولمهم، أما الإسلام فإنه بالرغم من أنه دين عام جاء للعرب والفرس وغيرهم - لم تستطيع عقولهم أن تألفه كما ألفت المجوسية. ومن هذه الأسباب أن

<<  <  ج:
ص:  >  >>