هي أيضا ذكرى من ذكريات الصبا والدراسة، وقعت حوادثها ببرشلونه. عندما دخلت المدرسة الإسبانية، وحضرت درس الجيولوجيا للمرة الأولى، رأيت المدرس قبل البدء في الدرس، يقترح رحلة جبلية في يوم الأحد المقبل ولكني لحظت في استغراب ودهشة أن الطلبة يتهربون منها، لذلك أخذ المدرس يختار لهذه الرحلة من يختار دون رضا ولا موافقة، فقلت للطالب الذي يجلس عن يميني، وهو فتى إسباني من الجنوب (الأندلس)، تدل سمرة جلده على أصله العربي، لماذا يرفضون وإنما يذهبون إلى النزهة وتسلق الجبال الشاهقة؟. فأجابني في ابتسامة خبيثة: أتريد أن تذهب أنت؟ فأجبته على الفور: أجل! ولم لا؟ فرفع زميلي إصبعه مستأذنا في الكلام، فلما سمح له المدرس به أطلعه على رغبتي، فنظر إلى المدرس نظرة الرضا والارتياح وقال: حسن! حسن جدا! ثم سألني في لطف عن اسمي لأني كنت طالبا جديدا فأثبته في القائمة، ثم استفهم عن جنسيتي التي استغربها لأنني الشرقي الوحيد في المدرسة. وعندما عرف الطلبة إني أريد المشاركة في رحلة يوم الأحد عن رضا وطواعية، أخذوا يتغامزون وينظر بعضهم إلى بعض، فاضطربت لذلك ولم أعرف سبب هذا التغامز وا أسفاه الا أخيرا.
وفي يوم الأحد كنت في المكان المعين للمقابلة، قبل الموعد بزمان طويل، لأني كنت مشتاقا إلى هذه الرحلة الجبلية مع رفاقي الطلبة على الرغم مما يحيط بها من الأسرار. ثم حضر المدرس وتبعه الطلبة واحدا بعد آخر. . وكنا جميعا عشرة، فركبنا الترام فخرج بنا في أقل من ساعة إلى ظاهر المدينة. . وكنا أثناء سير الترام وفي غفلة من الأستاذ، نخرج ألسنتنا للمارين، فيمطروننا وابلا من اللعنات والشتائم. ثم أخذنا نتسلق الجبال وبعد جهد جاهد بلغنا أعلى القمة في تلك المنطقة المعروفة بسانتا كروث (الصليب المقدس) وقد قام فيها صليب كبير من الخشب، بركة لعابري السبيل. عند ذلك شاهدنا منظرا للمدينة يملك الطرف ويصبى المشاعر، والبحر الأبيض يموج في جلبابه الأزرق الفضفاض، والجو يعبق برائحة عطرية كأنها تسربت من الفردوس. أما السحاب فكان قريبا منا إلى حد أنني كنت أخشى أن جنيا يبدو منه فجأة فيختطف أحدنا على سبيل المزاح! وإذا كان سروري عظيما