(إلى روح أبي العلاء، بمناسبة أسبوعه في لبنان الصديقة)
استطاع شاعر لبنان المبدع ميخائيل نعيمة أن ينقلنا معه على أجنحته الأثيرية إلى جنته الوارفة الظلال، التي غرسها خياله الواسع الشاسع العلوي العجيب.
صحبناه فيها ساعة، بل ساعات، في مجموعته الشعرية الرقيقة (همس الجفون) التي جمعت طائفة من أشعاره الباهرة الممتعة من نظمه بين سنتي ١٩١٧ و ١٩٣٠، بعضها بالعربية وبعضها بالإنجليزية، مترجماً إلى العربية بالشعر المنثور، فما راعنا إلا أن نرى شبحين، أو طيفين يلازماننا في رحلتنا إلى هذه الجنة العجيبة غدواً ورواحا. . . أحدهما عن يميننا، وكان عابساً متجهماً، منقبض القلب. . . كاسف البال، منطوياً على نفسه، غائر العينين مظلمهما. . . وقد وقف عند الباب فلم يدخل معنا. . . ولم ندعه نحن للدخول، لأننا لم نكن قد دعوناه لاصطحابنا في هذه الرحلة البعيدة المدى، بل لم نلق بالنا إلى عروجه معنا. أما ثانيهما فكان يدلف عن شمالنا، وكان هاشاً باشاً، ضحوكا طروباً. . . تشيع في أعطافه نشوة تشبه الخمار، فهو يتثنى ويتمطى. . . ونحن ننظر إليه، ولا نستطيع أن نفهم عنه هذا التخلج ولا ذاك الاضطراب. . . فلما انفتح باب الجنة كان أسبقنا إليها دخولا، واعرفنا بها مسالك ودروباً. ثم ابتعد عنا وغاب بين الأشجار عن أنظارنا، وسمعني شاعر لبنان أردد من شعره، وقد سمعت نغما ينبعث من أقدام ذاك الطيف:
من ذلك، بين الأشجار ... يمشي كخيال من نار
هو يضرب عوداً والأشجا ... ر تئن لشكوى الأوتار
الزهر يُنكّس تيجانه ... والحور يُلَمْلِم أغصانه
والريح تمر على أوتار ... العود فتخنق ألحانه!
فتبسم وقال: هذا النيسابوري عمر الخيام. فقلت: ليته رأى شيئاً كهذا في حياته، إذن لكان آمن وكفى نفسه شر هذا الشك الذي باعد بينه وبين هذا الفردوس! إني لأسمعه الآن وهو