للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[البريد الأدبي]

فقيد العلم والإسلام:

قضى بموت الفجاءة مساء يوم السبت الخامس عشر من هذا الشهر فضيلة الأستاذ الأكبر الشيخ مصطفى عبد الرزاق شيخ الجامع الأزهر، فكانت الفجيعة بموته أليمة قاسية أرمضت النفوس، وأوجعت القلوب، وساد الحزن عليه جميع الأوساط والأقطار. فقد كان الفقيد - رحمة الله عليه - مثالا للفكرة المستقيمة، والحكمة المهذبة، والإنسانية النبيلة، وكان كل هذا سجية في طبعه وغريزة في نفسه، فقد نشأ في بيت عريق الثراء والجاه، واتصل في أدوار حياته بمجالي النشاط السياسي والنضال الحزبي، ولكنه نشأ وعاش على طبيعة الخير وفطرة السماحة؛ فدرس في الأزهر جامعة الشعب، وسافر إلى فرنسا للدراسة، ثم عاد منها لا ليطلب منصبا يوازي جاهه ومكانته بل ليجلس مجلس الأستاذ يفيد تلاميذه في الأزهر وفي الجامعة، وهكذا عاش طول حياته محبا للحكمة، قريبا من النفوس؛ ولقد تقلد المناصب الكبيرة. فعين وزيرا للأوقاف ثم شيخا للأزهر، ولكنه لم يتغير ولم يتبدل.

لقد كان الشيخ مصطفى عبد الرازق رجلا نبيلا فلاقى ربه بهذه الميتة

النبيلة، ولقد رأى الناس نعشه محمولا على الأعناق، ورأوا الألوف

تحتشد لتشييعه والعزاء فيه، ولكنهم لم يصدقوا أنه مات، ولم تستطيع

أذهانهم أن تحتمل تلك الصورة الرهيبة، فيعتقدوا أن الموت طواه كما

يطوي سائر الناس. . .

لن يموت الشيخ مصطفى عبد الرازق، ولكنه سيظل صورة شاخصة ومثالا حيا في أذهان تلامذته ومريديه، وفي نفوس إخوانه ومحبيه، وفي قلوب أولئك الذين ملأ قلوبهم بفيض إنسانيته، وكرم سجيته، وما أفاء الله عليه من فضل عميم.

لقد كان الشيخ مصطفى عبد الرازق عالما فاضلا، وحكيما مهذبا، وأديبا أريبا، وكم له من مشابه في هذا بين الناس، ولكنه كان إنسانا نبيلا لا يشبهه في هذا إلا القليل من الناس، وحسبك برجل لم تحسب له طول حياته فعلة نابية، أو كلمة شاردة أو إساءة قدمها. بل أضمرها، ولكنه عاش طول حياته يزرع الخير في كل مكان. فلا شك أن الفجيعة بموته

<<  <  ج:
ص:  >  >>