للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[٢ - عمر بن الخطاب]

للأستاذ علي الطنطاوي

- ٦ -

كان المسلمون في مكة - فكانت الخصومة بينهم وبين الكفار من قريش - خصومة فردية، شخص يناوئ شخصاً، وجماعة تقاتل جماعة. فلما كانت الهجرة وأستقر الإسلام في (يثرب) وفتحت له صدرها، وقدمت لنصرته أبناءها وفلذات كبدها، استحالت الخصومة إلى شبه (خلاف دولي) بين القرشيين المقيمين على الشرك، العاكفين على الأصنام، المدافعين عن الباطل، وبين أهل (المدينة المنورة) بنور التوحيد - (أنصار) الإسلام وحماة الدين وجنود الله؛ واتسع الخلاف وخاب مع الكفار المنطق وتعذر الصلح ولم يبق بد من الحرب

ومهما يقل اليوم (دعاة السلام) في شناعة الحرب ويصفوا من أهوالها وينفروا منها، ومهما يألفوا في ذلك من كتب ويصنفوا من أصناف، فإن مما لا ريب فيه إن هناك (حرباً مقدسة) مشروعة فاضلة، هي الحرب التي تشب نارها دفاعاً عن الحق وذباً عن الفضيلة وتأديباً للمجرمين. . . ومن ينكر على الجند أن يحاربوا اللصوص والمجرمين ويمنعوهم أن يعيثوا في الأرض فساداً؟ ومن يمنع القاضي أن يقتل القاتل ليشتري بموته حياة أمة، ويحبس الجاني ليضمن بحبسه حرية شعب؟

كذلك كانت (معركة بدر) حرباً مقدسة، أثيرت من أجل الحق والفضيلة والسلام والإسلام. . . فمشت إلى بدر (عصابة المجرمين) من قريش، مزهوة زهو اللصوص، شامخة بآنافها شموخ القتلة، مستكبرة استكبار قطاع الطرق. . . ومشت فرق الجنود المسلمين متواضعة لله خاضعة له، لا قوة لها إلا قوة الحق، ولا سلاح إلا سلاح الإيمان، ولا غرض لها إلا تطهير الأرض من أدران الشرك واوضار الظلم ومحو الأرستقراطية السخيفة العاتية. .

والتقتا في (بدر) - فالتقى الحق بالباطل - والنور بالظلام، ووقف الجنود والحراس وجهاً لوجه. . . ووقف التاريخ على الطرق يرقب النتيجة - فإما أن ينتصر المسلمون فيمضي صعداً ويرقى في مدارج العلاء متوشحاً بوشاح الحضارة، وإما أن يندحروا فينحدر إلى الهاوية. . فلم ينجل الغبار حتى خرجت راية محمد (صلى الله عليه وسلم) خفاقة منصورة

<<  <  ج:
ص:  >  >>