للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[من وراء المنظار]

الزواج سنة ١٩٤٨

لعل هذه البلاغة التي أنا محدثك عنها قد سلف بها الزمن، ولكني لم

اهتد إليها إلا أمس وأنا جالس في ركن من أركان مقهى هادئ جميل

احسب أن أصحابه أعدوه لمن ينشد الهدوء ولشيء آخر أظنه عندهم

أحلى من الهدوء وأمتع. . .

جلست وحدي منكدر الخاطر بما ينعكس على ذهني من هذه الوحدة. . . ودرت ببصري وفي عيني شئ من أثرا لهم، أدرأ السام عن قلبي، وانفض الخواطر الكابية عن ذهني فانقلب إلى البصر محزونا فما يخلو ركن من رفقة وقلما رأيت شابا إلا ومعه صاحبته أو زوجه، ولم يكن هناك من يجلس مثلي وحيدا إلا اثنان أو ثلاثة لعلهم كانوا ينتظرون من يؤنس هذه الوحدة. . .

البهو هادئ على كظته، خال مما يحدث الضجيج والصخب من أدوات اللعب، والمقاعد منسقة تنسيقا جميلا، والندل يجيئون ويذهبون بما يشرب أو يؤكل في خفة وفي هيئة تغري بطلب المزيد والضحى دافئ ضاح، والوجوه كلها مستبشرة مطمئنة، وأنغام الموسيقى يصغي لها من يصغي ويصفق لها من يصفق ويلهو عنها بالحديث العذب من يلهو، وأنا وحدي على حالي من السام والضيق وانكدار الخاطر.

وجاء رفقة من الشباب فتحلقوا حول منضدة غير بعيد منى، واخذوا يتحدثون ويضحكون، وما فيهم فيما أرى من هو دون الثلاثين ولا من يزيد على الأربعين؛ وكان بينهم فتى يبدو لأول وهلة انه روح الحلقة ففي وجهه وإشاراته وحركاته ما ينطق بخفة روحه، وفي ضحك رفاقه من كل كلمة يقولها ما يدل على انه فارسهم المعلم. .

وتشقق الحديث بينهم في غير نظام حتى مال الكلام إلى الزواج فسال واحد منهم: لم كانوا جميعاً أعزاب؟ وإلام يظلون على هذه الحال؟ ورد أحدهم قائلا في لهجة المتحمس: (ينحصر ذلك في أمر واحد هو عندي علة العلل، فان بعض أسرنا وبخاصة ما سيمونها الأسرة الراقية وا أسفاه قد أخذت ببعض التقاليد الأوربية التي تنبو عن روحنا الشرقية،

<<  <  ج:
ص:  >  >>