في الأدب الآم وفيه هموم وأشجان، ولقد تكون صفحاته السود مطوية منسية، حتى تنشرها الذكرى ويبعثها الحنين. من هذه الذكريات ما يهيج في نفسي كلما اطلعت على مقال يصور أدب العراق واتجاهه الحديث؛ ففي تلك الصفحات التي طواها الزمان ولفها النسيان، ذكرى قاص عراقي كان له أثر محمود في تجديد الأدب وبعث القصة على ضفاف دجلة حيث فتحت عينيها (ألف ليلة وليلة) أسطورة الشرق وسحر بغداد
منذ أعوام قريبة أخذت طلائع البعث والتحرر في العراق الجديد تنبثق من أرجائه الراقية وأجوائه الطافحة؛ هنالك ازدهرت معاهد الثقافة، وراجت أسواق الأدب؛ فرأينا بين الرافدين وفي بلد الرشيد والمأمون، كتاباً يعالجون فن القصة أسوة بأدباء العرب المحدثين الذين توفروا أيامنا على هذا اللون الطريف في آدابنا، وكأن النهضة العلمية التي تجددت في ذلك القطر الشقيق، وتمازج الثقافات في آفاته التليدة، ووقوف أولئك الكتاب على عناية أدباء الغرب بالفن القصصي دون غيره من فنون الأدب؛ كل ذلك حفز الشباب العراقي المثقف وحملة الأقلام الموهوبين منهم إلى إنشاء القصص والاستمتاع بما اشتملت عليه من دقة وصف وعمق تحليل وصدق تصوير؛ وكان ممن أدلى دلوه يومئذ في هذه الينابيع الثرارة أديب مطبوع هو المرحوم محمود أحمد السيد الذي يعرفه قراء الرسالة بما نشر فيها من آثاره، فقد كتب قصصاً عراقية الميسم، منوعة الألوان كانت مرآة لبلاده في عهد أحداثها الجسام، وكان كتابه (في ساع من الزمن) آخر أثر جاء به هذا القاص قبل أن يجود بنفسه الأخير؛ فلما نشر هذا الكتاب طلب إلي أن أنقده على صفحات (الحديث) الحلبية، فأقدمت على تلبيته خالصة النية للأدب، مظهرة محاسن الكتاب مشيرة إلى ما فيه من هنات؛ ولكني لم ألبث أن دعوت على قلمي الذي كان عفاً عنيفاً بنقده، إذ علمت أن ذلك القاص البغدادي عز عليه ما كتبت وآذته صراحتي فصد عنها، ورد علي بما لمست منه أنه تحمل نقدي لقصصه على مضض، فخسرت رضاه وأدى الأمر بيننا لي مناقرة فاشلة وجدل عقيم. وليس ما وقع بيننا بعجيب، فنحن قوم لم نتعود أن نتقبل النقد النزيه بقبول حسن، وأن نعبأ بمقالاته وفائدته وما يؤول إليه الأثر المنقود. وحسبك برهاناً أن ترى