وكأن الهجاء كان في جرير غريزة يرمي الناس عنها لأدنى سبب وعلى غير معرفة، فقد دخل على الوليد بن عبد الملك وعنده عدي بن الرقاع العاملي، فقال له الخليفة: أتعرف هذا؟ قال: لا يا أمير المؤمنين، فقال: هذا رجل من عاملة، قال جرير: التي يقول فيها الله: (عاملةٌ ناصبة تصلى ناراً حامية)، ثم قال بيتا قبيحا ورد عليه عدي بمثله، فهجاه جرير بقصيدة منها ذلك البيت المشهور:
وابنُ اللبون إذا ما لُزَّ في قَرَنٍ ... لم يستطع صولةَ البُزل القناعيس
ولعل ذلك راجع إلى ميل في طبع أمه إلى هذا الضرب من البذاء والإيذاء، فاشتهت أن تراه فيه، حتى صورت لها تلك الأمنية في الحلم، فرأت وهي حامل به أن حبلا نزل منها فصار يثب على الناس فيخنقهم واحد بعد واحد، فلما تأولت رؤياها قيل لها: إنك تلدين ولدا يكون شديدا الهجاء والبلاء على الناس والشعراء، فسمته لذلك جريرا؛ وسواء أرأت أمه هذه الرؤيا أم افتراتها، فقد كان لها ولا ريب أثر قوي في توجيه قريحته منذ طفولته
وهجاء جرير على الجملة ضعيف الفخر لبعد مستقاه فيه، وما استطاع الفرزدق أن يعجزه إلا في مشواره، فهو يقول له بحق: