والفرزدق يريد بهذه الأبيات الإشارة إلى القصائد التي تضمنتها وهي من عيون شعره ومتين فخره
وضعف جرير في الفخر إنما يرجع إلى الموضوع لا إلى الأسلوب، فانه أجمل خصومه صياغة، وأوفرهم بلاغة، وأرقهم لفظا، وألطفهم مدخلا، وأكثرهم افتنانا. ولسهولة شعره وقلة غريبه نفق عند العامة الشعراء، دون الرواة والعلماء
وهجاء هؤلاء الأقران الثلاثة إذا استثنينا منه المعاني الجديدة واللهجة الشديدة والتصوير البارع، لم يخرج عن سمت الهاجئين الفحول كالمخبل الفريعي، وحسان بن ثابت، والحطيئة، في الابتداء بوصف الطلل والغزل، والاعتماد على المفاخرة والمنافرة، وتلمس العيوب من خبايا الماضي، والانتقال المقتضب من معنى إلى معنى. وأشد ما يعيب هجاء جرير والفرزدق كثرة التكرار، فأن كلا الرجلين إنما يهجو صاحبه بطائفة من الحوادث والصفات ذكرناها من قبل، فلا نراه يعدل عنها، ولا يكاد يزيد عليها، وإنما يرددها في كل قصيدة أو نقيضة في أساليب شتى وقواف مختلفة، فإذا قرأنا لكل واحد منهما واحدة منهن لا يضيرنا بعدها ألا نقرأ غيرها. كذلك إذا ألممنا بهجاء الأخطل والفرزدق وجرير فقد ألممنا بسائر الهجاء في هذا الطور، لأنه مصوغ من مادته ومضروب على مثاله
على أن أساليب شعراء العراق في الهجاء الحزبي تختلف عنها في الهجاء الفردي، فبينما هم في هذا لا يترفعون عن الهجر ولا يتورعون عن الكذب تراهم في ذلك يذهبون مذهب الجاهليين، فيفاخرون بالنسب، ويكاثرون بالعدد والمال، ويؤثرون اللفظ الشريف والأسلوب العف، بيد أنهم يغلون في الفخر حتى ليجعلونه في الدين والحكم والعلم والموطن
قال أعشى همدان وهو من أنصار ابن الأشعث:
اكسع البصري إن لاقيته ... إنما يُكسع من قل وذل
واجعل الكوفي في الخيل ولا ... تجعل البصري إلا في النفل
وإذا فاخرتمونا فاذكروا ... ما فعلنا بكُم يوم الجمل