للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[تعقيبات]

للأستاذ أنور المعداوي

صرخة أخرى من العراق

ما أطيب قلبك، وما أكرم معدن نفسك. . لشد ما يعجبني فيك إخلاصك للفن، ونمسكك بالمثل العليا، وتفانيك في سبيل أنبل الغايات. . تخال الدنيا خلقت كما تشتهيها: نبل في الطبع، وحب للخير، وعبادة للجمال!

لقد أثارت في كلمتك عن (الفن الشهيد في العراق) عواطف كثيرة. . وكنت في كل لقاء لي معك أهم بأن أقول لك أنت صرخت صرختك المدوية لإنصاف شاعر واحد، في حين أن هناك عشرات من الأبناء والشعراء يتصارعون مع الحياة القاسية، ويكافحون في سبيل الحرية المسلوبة، ويلاقون في سبيل ذلك أشد العنت وأفظع التنكيل والاضطهاد!

يا أخي: إن المسألة ليست إنصاف شاعر أو ترضيه أديب.

بل هي أعم من ذلك وأوسع شمولا. إنها مسألة الحق المهدود، والمقاييس الخاطئة، والضمائر التي أصابها الفساد فلم تشعر بالتبعية، ولم تعبأ بالمسئولية! أنها قصة كل بلد عربي، المحسوبية فيه فوق كل قانون، والعدالة في أرضه ضرب من الأفلاطونية التي لا تطبق، ومواطنوه درجات ورتب كعهود الرقيق!!.

وحين تكون ذا ضمير نقي ونفس أبية، فقد حكمت على نفسك بالإعدام في أرض غريب عنها نقاء الضمير، عزيز فيها إباء النفس. . إن نقاء الضمير، وإباء النفس، ووفاء القلب، والإخلاص للمثيل العليا، عملة زائفة في سوق أثمن بضاعة فيه أخس صفات الإنسان!

ولا بد من أنك تعرف قصة الإله الذين يريدون أن يمسخوه عبداً، أو العملاق الذي يريدون أن يصيروه قزما. . أنه صاحب القلم!! وذلك الذي يقف في بدء حياته في مفترق طريقين: إحداهما قصيرة مليئة بالرياحين، وأرقة الظلال غنية بالعطور. . إنها الطريق التي يصل فيها الحمقى وفقراء الذمة والمدقعين في الشرف إلى قمة المجد الزائف، حين تدفعهم الجرأة إلى أن يسموا الأبيض أسود، والحق باطلا، والظلم عدالة، والنخاسة ديمقراطية، والرذيلة فضيلة، إلى غير ذلك من قلب للأوضاع وعبث بالقيم. . ولا شك في أنك تجد في كل بلد عربي جمهرة كبيرة من أولئك المهرجين الذين استبدلوا حياءهم بوقاحة، ووضعوا مكان

<<  <  ج:
ص:  >  >>