قرأت مقال الأستاذ صاحب الرسالة عن (دار الترجمة) في العدد الأسبق من الرسالة، ذلك الذي يقول فيه:
(والغريب المخجل أن المرء يقرأ أي نابغة من نوابغ العالم في أي لغة من لغات التمدن إلا في اللغة العربية. فالتركي مثلاً يستطيع أن يقرأ في لغته هوجو كله، وشكسبير كله، وجيته كله، ولكن العربي لا يجد في لغته لهؤلاء العباقرة العالميين إلا كتاباً أو كتابين اختارهما مترجم على ذوقه، ونشرهما على حسابه!)
(فإذا أردنا يا معالي الوزير لأدبنا أن يتسع في حاضره كما اتسع في ماضيه، فليس لنا اليوم غير سبيل الأمس: نرفده بآداب الأمم الأوربية، ونصله بتيار الأفكار الحديثة؛ فإن لكل أمة مزايا، ولكل بيئة خصائص. ولن يكون أدبنا عالمياً ما لم يلقح بآداب العالم؛ والمحاكاة والاحتداء من أقوى العوامل أثراً في الأدب) قرأته فإذا هو (يشخص) موقف المكتبة العربية الراهن من الثقافة العالمية تشخيصاً صادقاً صحيحاً. ولا يكتفي بهذا (التشخيص) بل يصف طريق العلاج، ثم يتجاوزه إلى وصف الدواء فيقول:
(لذلك أرى - ورأيك الأعلى - أن تنشأ دار للترجمة مستقلة عن ديوان الوزارة، يكون لها من جلالة القدر ونباهة الذكر ما للجامعتين، فأنها على اليقين ستكون جامعة شعبية لا تقل عنهما في الخطر والأثر، أو قل: إنهما الميدانان المتقدمان وهي مركز التموين الذي يمدها بالميرة والذخيرة والمدد. ثم يختار لها مائتان من المترجمين النابغين في لغتهم وفي اللغات الأوربية الثلاث، ينقلون الآداب الأجنبية نقلاً كاملاً صحيحاً، فلا يدعون علماً من أعلام الأدب والعلم والفن والفلسفة إلا نقلوا كتبه ونشرها على حسب ترتيبها وتبويبها في طبعاتها الأصلية. (هذه الدار ستنقل إلى العربية كل يوم أربعمائة صفحة مصححة منقحه مهيأة للنشر، قد تكون كتابين أو كتاباً أو جزءاً من كتاب على حسب النظام الذي يوضع لها. فإذا فرغت من ترجمة الموجود فرغت لترجمة المستجد، فلا يكون بين ظهور الكتاب في أوربا وظهوره في مصر إلا ريثما يترجم هنا ويطبع. أما نفقات الدار فلا تزيد على مائة ألف جنيه، وقد تنقص إلى نصف ذلك إذا ساهم فيها الأمراء والأغنياء وجامعة الدول العربية).