ذلك عنوان مقال كتبته في مارس عام ١٩٤٢، ونار الحرب العالمية الاستعمارية تتسمر في مواطن الإسلام وأقطار العروبة، والمسلون والعرب يصلونها ولا أرى لهم فيها، ولا رجية لهم منها، وإنما كانوا وما زالوا كعبيد الأرض، يملكهم من يملكها، ويستغلهم من يستغلها.
أهبت في تلك الكلمة برجال الدين - وهم المسئولون الأولون عن تنبيه المشاعر وتوجيه القلوب - أن يكون لهم ما للمبشرين والمستعمرين والمستشرقين من مؤتمرات تعقد العام بعد العام في الدولة بعد الدولة. وذكرتهم أن الله قد فرض على المسلمين مؤتمراً سنوياً بمكة حين فرض عليهم الحج؛ لأني لا أعلم لحج البيت وهو ركن من أركان الإسلام الخمسة، حكمة أسمى من اجتماع المسلمين من فجاج الأرض وآفاقها في وقت واحد، على صعيد واحد، ليتذكروا في أمور دينهم، ويتشاوروا في شؤون دنياهم. ولقد قلت فيما قلت:(لا بد للإسلام من مؤتمر يجمع زعماء الرأي في أهله، ليجددوا ما درس منه، ويوضحوا ما التبس فيه، وينفوا عنه ما غشيته من أساطير القرون وأضاليل النحل، ويجلوه للناس كما كان، صالحاً للحياة، كافلاً للفوز، ضامناً للسعادة. وليس مما نطمع فيه أن يجتمع هذا المؤتمر اليوم؛ فإن الزلزلة التي لا تنفك آخذة بأقطار الأرض وأفكار الناس تجعل العقبات والسدود من دونه؛ ولكنا نطمع أن يفكر أولو الأمر فيه ويهيئوا الأسباب له؛ حتى إذا عادت السلم وتحلق زعماء الأمم حول الموائد الخضر لإقرار السلام الدائم، واختيار النظام الملائم، اجتمع كذلك علماء الإسلام ليعرضوا على العقول الحائرة والأجسام الحائرة نظام الله، خالصا كما أوحاه، صافياً كما أنزله. نعم لا بد للإسلام من مؤتمر يقيم بي البهرج والصحيح حداً من نور الحق يجتمع عليه القطيع الشارد، ويهتدي إليه الركب المضلل. ولكن ليت شعري من الذي يفكر في هذا المؤتمر ويعمل له ويدعو إليه؟ لقد عقدنا الآمال بالأزهر في كل ذلك، فهل عقدناها بلعاب الشمس؟ إن علماء الدين هم الطوائف التي نفرت من كل فرقة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم. فإذا تفقهوا ولم ينذروا، أنكروا ما خلقوا له، وعصوا ما أمروا به. وليس الإنذار أن يلهجوا بذكر الحساب والعذاب، وإنما الإنذار أن ينبهوا المخطئ، ويوجهوا الحائر، ويرشدوا الغوي، وينصبوا في مجاهل الأرض أعلام الطريق)
ذلك بعض ما قلناه منذ عشر سنين في هذا المعنى فلم يستجب له اليوم غير الباكستان!