للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[إلى الأستاذ توفيق الحكيم]

٢ - الفن والإصلاح

للأستاذ عبد المنعم خلاف

لا يجوز لنا ونحن في أول عهد النهضة الذي مر بمثله الغربيون قبلنا بما يقرب من خمسمائة سنة تقريباً أن نرجو من أدبنا الحالي أن يرمي إلى القيمة الفنية والمزايا الأدبية وحدها كما يرمي إليها الأدب الأوروبي الحاضر. لأن الأدب الأوروبي ثمرة عوامل اجتماعية وأدبية وسياسية عدة هي التي عملت فيه وكونته وأنضجته وجعلته أقرب إلى الكمال

وإن الغلطة التي نرتكبها ونكررها في مجالات السياسة والأدب والاقتصاد هي أننا دائماً ننسى الفارق التاريخي العظيم بيننا وبين الأوروبيين، ونحاول أن نطبق على بيئتنا القاصرة المتخلفة مقاييس الحياة الأوروبية الحاضرة غروراً منا بالمدينة الصناعية الآلية التي أمكننا نقل كثير من مظاهرها إلى حياتنا في السنوات الخمسين الماضية وغفلةً منا عن أن نقل المكان دائماً من حضارة لأخرى أسهل وأسرع من نقل السكان؛ لأن نقل السكان يستلزم المرور بدرجات من النضج العصبي والثقافي والسياسي والأدبي لا يمكن أن يتحقق إلا في أطوار وأدوار تاريخية، وبخاصة إذا كان الانتقال لم يتخذ طريق الطفرة والثورة وإنما اتخذ طريق النضج البطيء على نار هادئة كثيراً ما يطفئها أعداء الإصلاح فترة، ويعوق عملها الاستعمار والوصايات السياسية الجائرة

فيحسن بنا أن نطرح جانباً الآن قصة الموازنة بين أدبنا الحالي وأدب الغربيين الحالي فإنها موازنة مثبطة

فما كان الأدب الأوروبي الحاضر ليبلغ مبلغه من الازدهار والقيمة الفنية والمزايا الأدبية لو لم تسبقه تلك الحركات الإصلاحية والثورات. وهي ثورات وحركات ساهم فيها أدباء النهضة بجهود عظيمة. وما كان يمكن أن يصل الأدب الأوروبي بمعناه الموسوعي ولا بمعناه الفني الضيق إلى ما وصل إليه الآن لو لم تقم حركات تحطيم قيود الجهالة والجمود فتحطم الأغلال عن العقل الأوروبي

فإذا نادى الأستاذ أحمد أمين بك أن يكون بجوار أدبنا الفردي والفني الخالص أدب

<<  <  ج:
ص:  >  >>