لم يكن الموضوعان الأخيران اللذان تعرضنا لهما على صفحات الرسالة:(الكون ينتشر) و (الكون يكبر) من الموضوعات السهلة التي يمكن للقارئ أن يتصورها كغيرها، ولعله اقتنع إلى حد أنه موجود في كون محدود، وأنه محمول على حيز متقوس، وأن عالمه أحد ملايين العوالم التي تبتعد كلها الواحد عن الآخر، والتي تقع كلها في قشرة كرة كبيرة لكنها جوفاء، شاء لها القدر أن تتسع وتمتد على نحو كرة من المطاط، وهي بهذا تكون كوناً واحداً محدوداً منتهياً يختلف عن الكون اللانهائي الذي تصوره أقليدس والذي اعتقده العلماء منذ الإغريق حتى عهدنا القريب
ولم يكن في وسعي أن أواصل اليوم موضوعاً دقيقاً كهذا، وأخطو بالقارئ خطوة أخرى، أدله فيها على الطريقة التي توصل بها العلماء إلى معرفة عدد الجسيمات أو الإلكترونات المكونة للكون، كنتيجة للدراسة المتقدمة، دون أن يتخلل أحاديثنا فترة من الراحة ودون أن نهيئ للذهن فرصة للتأمل، هذا الشعور من التأمل والراحة نود أن يشعر به القارئ في هذه الأسطر من هذا المقال
لم تصبح دراسة هذه الظواهر الحديثة من تمدد الكون وابتعاد جميع العوالم بعضها عن بعض وما يترتب على ذلك من معرفة وتحديد عدد جسيمات هذا الكون، من المسائل التي تدخل في حدود الهندسية والميكانيكا المعروفة، ولا في حدود تصوراتنا المعتادة، مع أن التجارب الطبيعية التي ثبت لنا منها فرار جميع العوالم بعضها عن بعض، وبالتبع فرارنا عنها، بسيطة جداً لا تدعو لكثير من التأمل، وأبسط ما فيها أنها وقعت كلها داخل المجموعة الشمسية التي نحن فيها، بل وقعت جميعها فوق سطح الأرض، بل في حجرة في أحد المراصد الأرضية المتعددة
عجيب ألا يعرف العالم الطبيعي من هذه الحجرة المتواضعة أن الكون محدود فحسب بل