في فصل الربيع من كل عام تأخذ الأرض زخرفها، وتلبس أجمل ملابسها المزركشة الملونة بأجمل الألوان، وتتجلى مفاتن الطبيعة في أبهج صورها البهية على ضفاف الترع والجداول وشواطئ والأنهار، بأفواف الأزهار والنوار والرياحين، وفي بطون الوديان وعلى ظهور الكثبان وبين جنبات الحقول والبساتين
وتبدأ الأشجار تروي قصة الخصب والري والنضارة، وتؤدي دورها الخالد المتجدد على مسرح الحياة، تكتسي بعد عرى، وترتوي بعد ظمأ، وتلين بعد جفاف طويل. كل يوم يمضي تبرز إلى الوجود براعم جديدة وليدة، تبدو على جوانب الأغصان، وتتفتح على أشعة الشمس، وتنعقد عليها أكاليل الندى كل صباح
هذه البراعم الجديدة الوليدة في الحدائق والبساتين هي براعم شعراء الشباب في حديقة الشعر والشعور
تظل براعم الأشجار تتجدد وتتعدد وتنمو في كل ربيع، بعضها يبلغ منتهاه ويصل إلى مداه في النمو الدائم عاماً بعد عام، وبعضها يدركه العطب أو يلحقه الجفاف فيذوي وهو غصن صغير
وهكذا براعم شعراء الشباب!
بعضهم تنمو قريحته وتزهو عبقريته عاماً بعد عام، فيتوالى إنتاجه ويتضح منهاجه وتصفو ملكته من الصنعة أو الزيف أو التقليد، وبعضهم يدركه العجز أو الوهن فيظل كالفاكهة الفجة، هي على الشجرة فاكهة بين الفواكه، ولكنها لا تروق ولا تشوق ولا تذاق!
في النصف قرن الأخير، شهدت مصر خاصة، وشهد العالم العربي عامة، بل شهد العالم في كل قطر ومصر - نهضة أدبية شاملة، في كل لون من ألوان الأدب، وفي كل عصر من عناصر الفن؛ كانت رد فعل طبيعي لما ران على العقول والمواهب والملكات، من ظلمات العصور الغابرة: عصور الظلم والنهب والاستبداد في الحكم، وعصور الجهل والجدب والتقليد في الآداب والعلوم والفنون
وكان حظ مصر عظيما موفورا في الحالين: كان حظها في عصر المماليك وقبله بقليل