شوقي قمة من القمم الشوامخ في تاريخ الأدب في العصر الحاضر، فهو من شعراء الطليعة، يضطرك بروعة بيانه وقوة عارضته واتساع أفق خياله وغزارة مادته، وما تلمس في آياته الشعرية من جزالة وسهولة، أن تضعه في مقدمة الصفوف.
وهو أقوى دليل وأكبر برهان على ما وصل إليه الأدب المصري الحديث من نهضة وتقدم، فقد جمع شوقي في شعره بين القديم والجديد في أسلوب بليغ يتمشى مع جزالة الأدب العربي القديم، والتفكير العصري والذوق الحديث، فتراه يعمد إلى الألفاظ اللغوية القديمة التي نسبها الناس وصاروا لا يستسيغونها ولا يقوون على سماعها لأنهم لا يعرفون معانيها فيبعثها في شعر يحيط فيه بما في الغرب من صور بديعة ومعان رائعة وخيالات واسعة واضحة ترضاها الحضارة الشرقية ويستسيغها الطبع الشرقي.
فقد كان يعتبر أن البعث للألفاظ الدارسة وسيلة من وسائل التجديد، وسبيلاً من السبل التي تصل بين مدنية قديمة بائدة ومدنية حديثة طارقة، يجب ألا تنقطع الصلة فيهما بين السلف والخلف، وقد كفل لهذه الألفاظ حياة جديدة بما أفاض عليها من ثوب شعري جميل جعلها تتسع لما ظنها الناس أنها لم تتسع له من الصور والأخيلة والمعاني.
وشوقي كغيره من الشعراء طرق أبواب الشعر القديم ثم زاد عليها ما استجدت به الأيام من الاجتماعيات والحوادث التي عاصرها وما أحدثت في نفسه من آثار بالغة، ومن هذه الحوادث البالغة الأهمية، الضجة التي قامت حول تحرير المرأة وإعطائها نصيباً موفوراً من الحرية التي حمل لواءها قاسم بك أمين.
وقد شارك شوقي في هذه الدعوة بنصيب لا بأس به، ولكنه كان كغيره من الشعراء والكتاب يخضع لقانون البيئة الاجتماعية الذي تفرضه على الألسنة فلا تنطق إلا بحذر، وعلى الأقلام فلا تكتب إلا بمقدار، وعلى الجوارح فلا تتحرك إلا في تلصص، وعلى القلوب فلا تنبض إلا في خوف ووجل، لأنهم كانوا يخشون أن يكون في شيء من هذا ما يثير سخط المحافظين الذين يعتبرون - في ذلك الوقت - السواد الأعظم الذي يسيطر على