إذا أردنا أن نصل إلى ما يرضي العدل والإنصاف في هذه القضية الكبيرة، وجب أن يسير البحث فيها بقطع النظر عن شخصية المقتول وشخصية القاتل، لأنا إذا نظرنا إلى شخصية المقتول فسنجد أنه كما قال فيه خصيف: من أعلم التابعين بالطلاق سعيد بن المسيب، وبالحج عطاء، بالحلال والحرام طاووس، بالتفسير أبو الحجاج مجاهد بن جبير، وأجمعهم لذلك كله سعيد بن جبير. وسنجد أيضاً أنه كان كما قال فيه أحمد بن حنبل: قتل الحجاج سعيد بن جبير وما على وجه الأرض أحد إلا وهو مفتقر إلى علمه.
وإذا نظرنا إلى شخصية القاتل وهو الحجاج بن يوسف الثقفي، فسنجد الناس يكادون يجمعون على أنه كان ظالماً جباراً، وقد قال ابن خلكان: كان للحجاج في القتل وسفك الدماء والعقوبات غرائب لم يسمع بمثلها، ويقال إن زياداً أراد يتشبه بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في ضبط الأمور والحزم والصرامة وإقامة السياسيات، إلا أنه أسرف وتجاوز الحد، وأراد الحجاج أن يتشبه بزياد فأهلك ودمر
وقد نظر الناس إلى هذه القضية متأثرين بشخصية سعيد وشخصية الحجاج فلم يوفقوا كل التوفيق فيها من الناحية القضائية، ولم يصلوا إلى حكم يرضى القضاء كل الرضا، ولا يتأثر بعاطفة الحب والكره، وإذا خالفناهم في ذلك فسنصل إلى حكم في هذه القضية يرضي كل منصف من الناس، لأنه يراعي فيه كل وقائع القضية من ناحية الحجاج وسعيد، ويبين تبعة كل منهما في هذه الوقائع.
اضطرب أمر المسلمين بعد قتل عثمان رضي الله عنه اضطراباً كبيراً، فوقعوا في فتن شديدة كادت تقضي على الإسلام في مهده لولا أن الله كان يهيئ لهم فترة من الاجتماع بعد التفرق، فيمضي الإسلام ظافراً في فترة الاجتماع وينظر العقلاء إلى ظفره فيرضيهم ويجعلهم يغمضون أعينهم على ما في حكمهم من قذى حذراً من التفرق وما يجلبهم على الإسلام من أكبر الضرر، وقد جاء الإسلام بجواز ارتكاب أخف الضررين، وكانوا مع هذا يرضون الله بالنصح الرفيق، والبعد عن الاشتراك في ذلك الحكم، وكان من هذا الفريق