(كتب كثير من هذه الخواطر في الرستمية بالعراق العزيز،
فهي مهداة إليه)
للأستاذ عبد المنعم خلاف
١٤ - حقول الشوك
أُنظر بعينيك وحاذر أن تَدمَي من مواقع النظر. . . واجمع أطراف ثيابك لا تعلق بها حُماتُ الشوك فتتمزق. . . وناقِلْ الُخطى في حذر وخشية، حتى لا تقع القدم على هذه الأسِنَّة الُمشْرعَة. . .
لا بلابل هنا ولا فراشات، وإنما نمالٌ تسعى في حذر. . . ولا ورق يرقص مع النسمات، وإنما اهتزازاتُ حِرابٍ تُدمِى جسم النسيم!. . .
ومع ذلك فقد مددت يدي وقطفت عِذْقاً. . . فإذا هندسة بارعة، وإذا القلم الذي نسق الزهرة ونسج حريرها ووشَّى أفْوافَها قد
صنع هنا كذلك عجباً!
يد الخالق تُدبِّب الشوك ولا تَدَمي، وتَمُطُّ فَم الخنزير ولا تتنجس!
١٥ - جانيات الشوك
جاء الربيع وأخرجت الأرض نباتها من الزهر والثمر والشوك. . . وخرج كل مالك يقطف ويجني مما يملك من الحقول والبساتين
وخرجت جانيات الشوك إلى الأرض البور التي احتكرتها الطبيعة لنفسها لكي تخططها بالرياح وتسقيها بالسَّيْح والَمطر، وتنبت فيها ما تشاء. . .
خرجن يسعين حافيات قد لَفَّفْن سيقانهن بِخِرَقٍ بالية حفظاً للجمال الِّنسْوي من الخدش والتجريح. . . عليهن ثياب ممزقة، وفي أيديهن حبال رثة، يوزعن نظراتهن هنا وهناك على أديم الأرض باحثات عن أخصب البقاع بالشوك وأملئها بالعوْسج، فإذا وجدنه أعملن فيه فئوسهن الصغيرة ثم جمعنه وحزمنه وحملنه على ظهورهن وسرن به كالقنافذ! وطفن به في الأسواق فيشتريه بعض الناس بثمن بخس ليوقدوا به حماماتهم ومطابخهم.