للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[زورق الأحلام. . .]

للأستاذ عبد المنعم خلاف

هذه السفينة الجوية الجبارة التي طارت في أربعين ساعة من هونولولو إلى القاهرة في مرحلة واحدة، مصعدة إلى جزر ألوشيان وشبه جزيرة ألاسكا ومنطقة القطب الشمالي، ثم حادرة إلى جزر جرينلند وأيسلند والجزر البريطانية والقارة الأوربية والبحر المتوسط، مخترقة أجواء مختلفة ومناطق متضادة، حاملة عشرة رجال من طلائع الإنسانية الحديثة. . إنها زورق أحلام حقاً تطير به الإنسانية كلها من أمسها إلى غدها في غزوة من غزواتها للطبيعة

أجل، ليس الذين طارت بهم عشرة وحسب، وإنما هم الإنسانية كلها عبرت حاجزاً، وكسرت قيداً، وتخطت عقبات، وكشفت مجهولاً، وأدخلته في رحاب المعلوم، وصححت أخطاء، ومهدت طريقاً لنفسها في سعيها الحثيث نحو صوب مجهول. . .

وإنه لزورق أحلام حقاً عاشت به الإنسانية الواعية الراصدة في حلم سعيد ما لبث معبر الزمان أن أوله وعبره مع فلق صباح جميل على أرض النيل. . .

وقد أحسست قلبي يرافق هؤلاء العشرة حين علم بانطلاق ذلك الزورق من قيود الأرض هناك في هونولولو، فأن فيهم سر نوعه الذي توثق به وآمن بمستقبله ودعا إلى ذلك. . .

وإنها للحظة فرح عميق سجلت على لوح الأرض حين بلغ هذا الزورق مرساه في غزوة من غزوات الإنسان لحصون الزمان والمكان. . .

ولو قيل للناس: إن ملكاً أو جناً سيطير إليكم من هونولولو إلى النيل لخرجوا إليه في يوم مشهود مجموع له ليزودوا فضولهم ونهمهم بحديث متاع لا يزالون يجترونه ويذيعون سيرته مدى أعمارهم. . . ولكن الذين طاروا كانوا عشرة من الناس ذوي الوجوه المألوفة والأجسام المحدودة المعروفة، ولذلك قل من أبه لهم من هذا الجنس الذي لا يزال ذاهلاً عن قيمة ما يصنع في فتوح العلم وقيمتها في عقائد الحياة. . .

إن فرحي بوصول زورق الأحلام في هذا الأوان الذي يجادلني فيه المجادلون في قيمة الإنسان لا يعدله إلا فرحي يوم طالعت الإعلان عن كتابي (أومن بالإنسان) في جريدة الأهرام منشوراً تحت خبر الوصول إلى سر القنبلة الذرية الذي أعلنه ترومان واتلي،

<<  <  ج:
ص:  >  >>