ليس بين أمم العالم أكثر ترديداً لكلمات الحرية والإخاء والمساواة من فرنسا.
ولا غرو فقد كانت الثورة الفرنسية مهد الحريات الديمقراطية في أوربا، ومنها انبثق فجر الديمقراطية الأوربية الحديثة، وفيها تقررت حقوق الإنسان، وكانت صيحة الحرية والإخاء والمساواة أقدس شعائرها.
وقد خاضت الأمة الفرنسية كثيراً من الحوادث والخطوب وبذلت كثيراً من دمائها للاحتفاظ بذلك التراث المقدس: تراث الثورة الفرنسية، وتراث الحريات الديمقراطية؛ وما زالت فرنسا على رغم الحوادث والخطوب حصن الديمقراطية في أوربا، ومازال شعارها المقدس:(الإخاء والحرية والمساواة) ترقمه على نقدها، وعلى جميع دورها العامة، وتقرؤه في كل مكان وكل مناسبة.
ولا ريب أن الحريات العاملة والحريات الشخصية أكثر توفراً في فرنسا منها في أي بلد أوربي آخر؛ حرية القول والكتابة، وحرية التصرف، في حدود القوانين طبعاً؛ وفي فرنسا يعقد أي اجتماع، ويلقى أي خطاب، وينشر أي كتاب أو مقال سياسي أو اجتماعي، دون أن تتدخل السلطات أو تعترض إلا ما كان واقعاً تحت طائلة القانون، أو ما كان ينذر فعلاً بتكدير الأمن العام.
هذا في فرنسا فقط؛ ولكن فرنسا تفهم الحريات خارج فرنسا فهماً آخر؛ والسياسة الفرنسية لا تطيق أن تسمع لفظ الحرية في شمال أفريقية مثلاً أو في غيرها من الأملاك والمستعمرات، ولها وسائلها الخاصة في إخماد كل نزعة أو حركة حرة، وفي سحق كل رأي حر.
ولكن ذلك لا يمنع أن تكون فرنسا ذاتها بلد الحريات المتطرفة، بل إن أولئك الذي يسلبون حرية الرأي والتصرف في بلادهم يجدون في فرنسا ملاذاً لهذه الحريات.