للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[بين دين محمد ودمه]

الأستاذ علي حيدر الركابي

وددت الكتابة في هذا الموضوع بالنظر إلى احتدام الجدل بين طائفتين من الناس في بلاد الشرق العربي: طائفة تنتصر للإسلام وهو دين محمد (ص)، وطائفة تنتصر للعروبة المستندة إلى فكرة الدم - دم محمد صلى الله عليه وسلم

أما أنصار الإسلام فهم في الغالب من رجال الدين الذين خشوا أن تطغى الموجة القومية عليه، فانتصبوا في وجهها يحاربون العروبة ومن ينطق بها ظناً منهم أن ذلك يحمي الإسلام، وفاتهم أن الفكرة القومية مهما تطرفت لا تقضي على الإسلام الصحيح، وإنما يقضي عليه بقاؤه على هذه الحال المؤلمة المشوهة من الانحطاط والبعد - بشكله الحاضر - عن فكر الجيل الحديث وروحه. فهم إن أرادوا نصرة الإسلام وجب عليهم أن يقوموا بإصلاحه وذلك بإعادته إلى أصله الصافي

وأما أنصار العروبة فهم في الغالب من الشباب المندفع، الباحث عن فكرة سامية يعتنقها، الشباب الذي وقف حائراً لأنه وجد نفسه ضائعاً ولا دليل يهديه في موطنه، فتوجه بأنظاره نحو الغرب حيث خيل إليه أن الفكرة القومية سائدة فاعتنقها وتحمس لها بدون روية أو تعمق. وإذا ذكر الإسلام لأنصار العروبة نفروا منه لأنهم باتوا لا يرون في بنائه الفخم الرائع في الأصل سوى جدران بالية عبثت بها يد الزمان وشوهتها الحوادث والبدع فحكموا عليها بالهدم بدلاً من أن يسعوا إلى إزالة التشويه وتقويم البناء. وأغلب الظن أنهم اختاروا الهدم لسهولته، ولأنهم يجهلون هندسة القصر الأصلية وتاريخه الفريد فلا يريدون أن يكلفوا أنفسهم عناء البحث والتنقيب

لقد استمر الأخذ والرد بين الفريقين فكانت ساحاته المجالس الخاصة والعامة، ثم انتقل إلى الكتب وظهر على صفحات الجرائد والمجلات، ولعبت أصابع المبشرين وغيرها من الأصابع الأجنبية الخبيثة فقوت الخلاف ونجحت في تحويله إلى نزاع مستحكم سيقضي في النتيجة على كلتا الفكرتين القومية والدينية - أي العروبة والإسلام - وإن لم يتدارك الأمر عقلاء القوم، فهم إن سكتوا عن هذه الفوضى في الأفكار والتردد بين المبادئ جعلونا نضيع المشيتين ونخفق في بناء نهضتنا على أساس قويم

<<  <  ج:
ص:  >  >>