ولكي نجلو كل إبهام قد يعلق بالأذهان لا بد لنا من تحديد معنى الفكرتين القومية والدينية بوضوح حتى نتمكن من معرفة ما إذا كانت إحداهما تعارض الأخرى من حيث الأساس أم لا:
دم محمد (ص)
إن المبدأ القومي السائد كما يفهمه المشتغلون بالقضايا العامة في الأقطار العربية كلها - ذو غاية سامية ثابتة، ألا وهي السعي إلى تحرير العرب وتحقيق الوحدة العربية. قد يختلف العرب على الخطة الواجب اتباعها لنيل استقلالهم، فمنهم من يؤمن بالحرية الحمراء ويبذل في سبيلها دمه وماله، ومنهم من يميل إلى اللين ويعتقد الصلاح في التفاهم والمفاوضة على أسلوب (خذ وطالب). وقد يختلف العرب أيضاً على الشكل الذي ستتخذه الدولة العربية العتيدة والزمن الذي تتكون فيه: أتتألف من ولايات متحدة، أم تتكون من حكومات مستقلة متحالفة بمعاهدات تعقدها على غرار الحلف العربي المعقود بين اليمن والمملكة السعودية والعراق، أم تصبح دولة متحدة في كل شيء: في عاصمتها وحكامها وأنظمتها الخ. . .؟ ومتى يمكن تحقيق هذه الوحدة، أفي المستقبل العاجل، أم في المستقبل الآجل؟ قد لا يتفق العرب على كل هذا، إلا أنهم على اختلاف مشاربهم مجمعون على الهدف الأسمى الذي لا يرضون عنه بديلا، وهو الحرية والوحدة.
هذه غاية القوميين، وهي غاية صالحة بدون شك؛ فإن في الأمة العربية العناصر الأساسية الكافية لتشكيل دولة متحدة. هناك تاريخ مشترك قد ولد رابطة قوية لا تفصم عراها، وهناك لغة واحدة وتراث آدمي واحد، وبالإضافة إلى ذلك فإن المصلحتين الاقتصادية والسياسية تقضيان بأن يتحد العرب.
أما من الناحية الاقتصادية فإن البلاد العربية اليوم في حاجة ماسة إلى نوع من الاتحاد الذي يوجد بينها تعاوناً وثيقاً لاستثمار الثروات الطبيعية الموجودة في أراضيها، وتصريف المنتجات المحلية، والسيطرة على التجارة. إن أرضاً تضم كنوزاً من الذهب والفضة والنفط والفحم الحجري والقار والكبريت، وتنتج مقادير كبيرة من الحبوب والفواكه والقطن وغيرها، وتجري فيها الأنهار العظيمة، أو تهطل الأمطار الغزيرة فتروي التربة الغنية، وتتمتع بمناخ ممتاز يصلح لمختلف الأعمال في مختلف المواسم، وتقع في مركز متوسط