للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الشهرة والجماهير]

للأستاذ إبراهيم عبد القادر المازني

في سنة ١٩٠٩ كنت ألازم من الأدباء صديقنا المرحوم الأستاذ محمد السباعي صاحب كتابي (الصور) و (السمر) ومترجم قصة (المدينتين) لدكنز و (الأبطال) لكارليل و (التربية) لسبنسر وعشرات من الكتب الأخرى. وما أظن بأبناء هذا الجيل إلا أنهم يجهلونه ولا يعرفونه ولا يخطر لهم أنه عاش على ظهر هذه الأرض، وكان له فضل على الأدب الحديث. واحسب أنه سيكون عليَّ أن أعرفهم واذكرهم به إنصافاً له وقضاء لحقه على فإن له لدينا في عنقي

وكان السباعي - رحمه الله - منهوماً بالأدب لا يشبع، وعاشقاً لا يسلو؛ وقلما رآه أحد إلا وفي يده كتاب أو كراسة. ولا أدري ماذا لفته إلى ابن الرومي، ولكن الذي أدريه أنه كان يذهب إلى دار الكتب وينسخ ديوان ابن الرومي في كراسات ويحفظ أكثر شعره عن ظهر قلب فأعداني بحب هذا الشاعر المنكود الحظ فقلدته واستنسخت شعره؛ فلما كملت عندي نسخته شرعت أبيضها في كراسات بعد تصحيح ما يوفقني الله إلى تصحيحه من الأغلاط التي لا آخر لها في نسخة دار الكتب

وكان صديقنا الأستاذ السيد عبد الرحمن البرقوقي قد أصدر مجلة البيان فاقترح عليَّ أن أكتب عن ابن الرومي ففعلت؛ وكان هذا حافزاً آخر لدرسه، ولكن الحرب صرفتني عن مواصلة الكتابة فانقطعت عنها إلى سنة ١٩٢٤. وفي أثناء ذلك ظهر الجزء الأول من ديوان ابن الرومي شرح المرحوم الشيخ شريف ثم الثاني بعد وفاته، ومختارات من شعر ابن الرومي جمعها الأستاذ كامل الكيلاني، فوصلت ما انقطع وعدت إلى الكتابة عن ابن الرومي في جريدة الأخبار وجمعت ذلك كله ونشرته في كتابي (حصاد الهشيم) وكان من توفيق الله بعد ذلك لهذا الشاعر المغمور أن عنى به صديقنا الأستاذ العقاد فتناوله بالبحث الوافي والدرس الدقيق في كتابه الجليل عنه

وهكذا برز ابن الرومي من ظلمة الخفاء ونضيت عنه الأكفان التي ظل ملفوفاً فيها أكثر من ألف سنة

خطر لي وأنا أدير هذا في نفسي أن العالم من أبناء اللغة العربية أكثر من مائة مليون، وأن

<<  <  ج:
ص:  >  >>