تحقيق نسبة أبيات - لفضل الشاعرة، لا لعلي بن الجهم:
ذكرت في كتابي (ملامح من المجتمع العربي) الذي صدر في سلسلة (اقرأ) الأبيات السينية التالية ونسبتها - معتمداً على أوثق المصادر وأصحها - إلى الشاعرة (فضل) المجودة للشعر في عصر المتوكل العباسي. والأبيات هي:
// لأكتمن الذي بالقلب من حرق ... حتى أموت ولم يعلم به الناس
ولا يقال شكا من كان يعشقه ... إن الشكاة لمن تهوى هي الياس
ولا أبوح بشيء كنت أكتمه=عند الجلوس إذا ما دارت الكاس
ولكن الأستاذ عبد العليم علي محمود استدرك في العدد ٩٥١ من (الرسالة) الغراء، ذاكراً أنه وجد الأبيات بعينها في كتاب (المنتخب) منسوبة للشاعر علي بن الجهم. ثم ذكر الأستاذ في خلال تحقيقه طبعة هذا الكتاب المدرسي بالمطبعة الأميرية، كما ذكر أسماء (العلماء طه باشا والسكندري رحمه الله وأحمد بك أمين وغيرهم).
وليس طبع هذا المنتخب المدرسي في المطبعة الأميرية، وإشراف هؤلاء العلماء الآجلة على جمعه وترتيبه بمانعنا من أن نقول إن نسبة هذه الأبيات لعلي بن الجهم من باب الوهم الذي يجب أن يصحح.
ولا نقول هذا القول من غير دليل. . ففي الجزء العاشر من الأغاني طبعة دار الكتب المصرية ص٢١٤ وفي أخبار علي أبن الجهم بالذات قصة الشاعرة (فضل) التي أمرتها الجارية (قبيحة) جارية الخليفة المتوكل أن تقول أبياتاً عنها في وصف حكاية حال لها مع المتوكل. فخرجت (فضل) الشاعرة إلى المتوكل بهذه الأبيات السينية التي قالتها، فقرأها المتوكل وقال لها:(أحسنت يا فضل!) وأمر لها ولابن الجهم بعشرين ألف درهم، لأن أبن الجهم كان قد صنع في المناسبة نفسها أبياتاً بائية أولها:
تنكر حال علتي الطبيب ... وقال أرى بجسمك ما يريب
ومن هنا جاء الوهم بأن الأبيات السينية هي لابن الجهم لاشتراك الشاعر والشاعرة في مناسبة واحدة، مع أن رواية كتاب (الأغاني) يفهم منها بدون جهد أن الأبيات للشاعرة (فضل) كما ذكرت ذلك في كتابي (ملامح من المجتمع العربي).